صورة لحرق كتب داخل فناء مدرسة

لماذا يكره الموظفون القراءة؟

منشور الخميس 24 ديسمبر 2015

قادتني ظروف الحياة للتواجد في مكتب حكومي لعدة سنوات، لاحظت فيها العلاقة المركبة بين نماذج مختلفة من موظفي الحكومة من حيث السن و التعليم والمستوى الاجتماعي و الاقتصادي و علاقتهم بالقراءة، سواء قراءة الكتب أو الصحف. قبل 25 يناير، كانت الصحف المعتاد رؤيتها على مكاتب الموظفين من حولي هي صحف "الحكومة" وخاصة "الأخبار" التي يفضلها الموظفون عن "الأهرام" لقلة عدد صفحاتها وكونها أكثر بساطة،  ويشتري بعض الموظفين جريدة "الجمهورية" أحيانا من أجل ملحق أسئلة امتحانات الشهادات أو أخبار العلاوات، أما الجرائد المستقلة فلم يكن أحد يرحب بها. 

تغير ذلك قليلا بعد 25 يناير إذ جذبت جريدة "المصري اليوم" الموظفين لبعض الوقت، وفي فترة حكم الإخوان كان هناك رواج لجريدة "الوطن"، إذ أنها كانت تغذي السخط العام ضدهم. وتراجع كل هذا لصالح "فيسبوك"، وصارت متابعة الأخبار تتم عن طريق الهواتف الذكية الموجودة في أيدي الجميع. 

أما عن قراءة الكتب بشكل عام فمن النادر جدا أن تُذكَر الكتب أو أن يُستَشْهَد بها في المكتب الحكومي، ولكن بالطبع هذا لا ينطبق على القرآن الكريم وكتب الأحاديث النبوية والكتب الدينية الشهيرة. ولكن بخلاف الكتب ذات الحس الديني فالاعتماد على الثقافة عن طريق الكتب ليس من أولويات الموظفين الذين قابلتهم. ولكن هناك استثناءات؛ في إحدى المرات قالت موظفة كبيرة السن متابعة للكاتب والمذيع إبراهيم عيسى، في نسخته الجديدة بعد 30 يونيو، إنها قرأت له كتابا وهو "دم الحسين". الاستثناء الثاني تمثل في الموظف الشاب صاحب العلاقات النسائية والذي أحضر كتابا باللغة الإنجليزية (التي لا يجيدها)، وجاءني لأشرح له محتواه، كان الكتاب هو Why Men Love Bitches، وكان يعتقد أن عنوان الكتاب يعبر عن مضمونه، بينما هو عبارة عن نصائح للمرأة لتجنب الرجال الذي لن يرتبطوا بها أو يسعدوها. الطريف أنني بعدما قرأت الكتاب ظل موجودا على مكتب الموظف بعنوانه المثير لمدة شهور دون أن يلفت انتباه أو استياء أحد. 


منذ بداية عملي كموظف قررت الاستفادة بأوقات الفراغ المتاحة عن طريق إحضار الصحف اليومية وقراءتها، ثم إحضار بعض الكتب، هذا الذي آثار دهشة الموظفين الذين لا يستوعبون أكثر من الصحف والكتب الدينية. تباينت ردود أفعال الموظفين من حولي بين الصمت والدهشة. هناك من كان يسألني عن موضوع الكتاب، وهناك من يتحسس من كوني أتهمهم بالجهل لمجرد كوني أقرأ. قال أحدهم إنني أضيع نقودي على الكتب التي لا أستفيد منها شيئا، قال آخر إنه لا يحب القراءة،  وهو خريج كلية الآداب و كان يعمل قبل ذلك صحفيا بإحدى الصحف الحكومية، ونصحني آخر بأن أحصل علي شهادة جديدة بدلا من تضييع وقتي  في قراءات متنوعة  ما دمت أملك الوقت و القدرة على القراءة.

مع تطور الأحداث في مصر دخلت نظريات المؤامرة للاتهامات، ذلك على الرغم من أنني أتوخى الحذر الشديد فأتجنب إحضار أي كتب قد تكون مثيرة للجدل، وغالبا بعد اكتشاف أنك تقرأ كتب غير دينية يبدأ تصنيفك بمسميات مثل شيوعي.. علماني.. ليبرالي.. بورجوازي.. غريب. 

علاقة الموظفين بالكتب و القراءة لا تختلف عن نظرة الكثيرين ممن يعلنون ليل نهار أنهم يشجعون ويحبون القراءة والتعلم والمعرفة ولكنهم في الحقيقة ينظرون لمن يفعل ذلك نظرة الارتياب و الاستهجان. كان البعض يقول إن المشكلة في علاقة المواطن العادي مثلا بالقراءة هي التكلفة المادية أو أنه لا يجد الوقت الكافي للقراءة لأنه مشغول بأعباء الحياة و لكن الحقيقة أن هذا الموظف قام بدفع مئات بل و آلاف الجنيهات من أجل شراء الهاتف الذكي والاشتراك في "الإنترنت"، و أوجد الوقت الكافي لمشاهدة الفضائيات و دخول صفحات "فيس بوك" والتفاعل معها. ربما كان سبب الارتياب والعداء هو نظام التعليم أو ثقافة المجتمع أو حكم العادة، ربما تكون هذه هي أسس المشكلة لو كنا نرى أن هناك مشكلة. 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.