Youtube
النائب محمد أنور السادات

يوميات صحفية برلمانية| السادات في انتظار لجنة القيم

منشور الثلاثاء 31 يناير 2017

يبدو أن ساعة النائب محمد أنور السادات اقتربت تحت قبة مجلس النواب، فالسادات الذي ظهر بعد أشهر طويلة من الغياب عن الفضائيات في لقاء على الهواء على قناة دريم، تحدث فيها عن إهدار المال العام في البرلمان، تنتظره قرارات لجنة القيم. 

قصة السادات لم تبدأ فقط بحديثه عن الـ18 مليون جنيه المهدرة في شراء ثلاث سيارات، لكن الخلاف بدأ منذ عام تقريبًا، مع بدء انعقاد مجلس النواب في يناير/كانون الثاني 2016، والخلافات بينه وبين رئيس المجلس شخصيًا لم تنته حتى بعد استقالته من لجنة حقوق الإنسان.

اقرأ أيضًا: يوميات صحفية برلمانية|جولة جديد في معركة السادات تحت القبة

(1)

البداية كانت مع إرسال السادات لبيان صحفي يوضح تقدمه بسؤال لرئيس المجلس بشأن إنفاق 18 مليون جنيه لشراء ثلاث سيارات للمجلس من موازنة العام المالي (2015/2016)، واستنكر النائب تحميل المجلس هذه المبالغ إذ تُقَدَّر قيمة شراء السيارة بأسعار الصرف حينها 680 ألف دولار، وانتقد "الإسراف والبذخ في الإنفاق في الوقت الذي تعاني فيه موازنة الدولة من عجز حاد اضطر الدولة للاقتراض بشروط شديدة الصعوبة".

واوضح أن الموازنة الأصلية كانت تحتوي على (صفر) في بند وسائل الانتقال، ثم تم إضافة اعتماد مالي بمبلغ 22 مليون جنيه لهذا البند.

ردود النائب حسين عيسى، رئيس لجنة الخطة والموازنة، وغيره من نواب اللجنة دافعت عن موقف المجلس، إذ برروا في تصريحات صحفية منشورة في عدد من الصحف الأمر بضرورة تأمين رئيس المجلس، ولم ينف أي من النواب ما نشره السادات.

اقرأ أيضًا: يوميات صحفية برلمانية | رحلة إلى جنيف تجدد الهجوم على السادات

(2)

بعد مرور أكثر من 30 ساعة على إصدار السادات لبيانه والحديث في جميع وسائل الإعلام ردت الأمانة العامة ببيان صحفي أرسلته للمحررين البرلمانيين ينفي فيها المجلس مسؤوليته عن صرف هذه البنود، لكن بحسب السادات الذي وجّه السؤال لعبد العال، لم يصله أي رد، وقال عندما هاتفته: "لم يصلني أي رد وعرفت ببيان الأمانة العامة من الفضائيات، وكل الطلبات التي سبق وأرسلتها لرئيس المجلس لم أتلق عليها أي ردود، المرة الوحيدة التي تلقيت فيها ردًا كانت تعقيبًا بقبول استقالتي من رئاسة لجنة حقوق الإنسان".

أما الأمانة العامة فأوضحت في ردها المطول حرص المجلس على المال العام، وذكرت:

- طبقًا لقانون مجلس النواب فإنه في أحوال حل المجلس يتولى رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه من الوزراء الصلاحيات المالية والإدارية المقررة لرئيس ومكتب المجلس. وفي غضون عام 2015 (وقبل انعقاد المجلس) ونظرا لحاجة مجلس الوزراء تم نقل تخصيص السيارة المصفحة المخصصة لرئيس مجلس النواب إلى مجلس الوزراء.

- في عام 2015، قام مجلس النواب بتكهين عدد (25) سيارة مختلفة الماركات والموديلات وإخراجها من الخدمة وفقًا للقواعد المقررة لذلك، وتم بيعها عن طريق هيئة الخدمات الحكومية التابعة لوزارة المالية، وفقًا للإجراءات المقررة قانونًا والمتبعة فى هذا الشأن، وتم توريد قيمتها للموازنة العامة للدولة.

- في عام 2015  وقبل انعقاد المجلس قامت إدارة المجلس وقتها وبناء على طلب السيد وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب والمفوض بالإشراف على المجلس آنذاك شراء سيارات عوضًا عن السيارات المكهنة بنظام (الاستبدال) لتلبية احتياجات المجلس، فوافقت وزارة التخطيط في شهر ديسمبر 2015 على تعزيز موازنة المجلس بمبلغ عشرة ملايين جنيه منها 4 ملايين جنية لشراء عدد (25) سيارة ركوب بديلة لتلك التي تم تكهينها، من بينها سيارتين مرسيدس كان سيتم تخصيصهما للسيدين وكيلي المجلس، و6 ملايين لشراء سيارة مصفحة بديلة للتي نُقِل تخصيصها لمجلس الوزراء. 

- لم يتم شراء سوى (17) سيارة ركوب فقط بدلًا من الـ (25) سيارة المشار إليها، وتم تدبير سيارة مصفحة - عن طريق وزارة الدفاع - لاستخدامات السيد الدكتور رئيس المجلس وهو ما تقتضيه اعتبارات الأمن اللازمة لتحركات رئيس مجلس النواب وكان ذلك بمبلغ مقداره 393 ألف يورو فقط (وهو مبلغ يقل كثيرًا آنذاك عن القيمة التقديرية لشراء السيارة ويقارب نصفها تقريبًا).

- نظرًا للضرورات الأمنية واستهداف الشخصيات الرسمية في الدولة من قبل الجماعات الارهابية فقد رؤي شراء سيارتين مصفحتين أخريين بدلًا من شراء السيارتين المرسيدس اللتين كان سيتم شرائهما ضمن الـ 25 سيارة، حيث قامت وزارة التخطيط في بداية شهر فبراير عام 2016 بتعزيز موازنة المجلس مرة أخرى بمبلغ 12 مليون لشراء السيارتين، وتم الاتفاق آنذاك مع وزارة الدفاع على شرائهما بذات السعر ولم يتم حتى تاريخه استلام هاتين السيارتين. وهو الأمر الثابت من الأوراق والتي ستعرض على لجنة الخطة والموازنة المختصة بمراجعة حسابات المجلس بكل شفافية.

(3)

لم يصمت السادات ورد ببيان صحفي مطول على الأمانة العامة لمجلس النواب، بل اعتبر أن بيانها يستوجب المحاسبة والمساءلة. ووجه خطابًا لعبد العال قال فيه:

أولًا: ذَكَر بيان الأمانة العامة لمجلس النواب أن مجلس الوزراء نهاية عام 2015 أثناء إدارته المالية والإدارية لشؤون المجلس في غياب البرلمان تم نقل السيارة المصفحة المخصصة لرئيس المجلس إلى مجلس الوزراء وفى هذا التصرف تعدٍ على أموال المجلس فكيف لِمَن يقوم على إدارة سلطة مستقلة مؤقتًا أن ينقل أموال ومنقولات وأصول تمتلكها هذه السلطة إلى سلطة أخرى منفصلة عنها ماليًا وإداريًا دون مقابل بما يُعَد تبديدًا واضحًا للممتلكات الخاصة بالمجلس، ويجب على المجلس إتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادة السيارات وقيمة استخدامها خلال فترة عامين أو استعادة القيمة الكاملة للسيارات وإبلاغ النيابة العامة عن المسؤولين عن جريمة التبديد وإهدار المال حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم. و نتساءل عن مصير سيارات رئيس مجلس الشوري المصفحة التي آل لمجلس النواب امتلاكها حسب الدستور؟ أين هذه السيارات ولماذا لا تُستَخدَم بدلًا من شراء سيارات جديدة.

ثانيًا: ذكر بيان الأمانة العامة أن المجلس في غياب أعضائه قام القائمون على إدارته آنذاك بتكهين عدد 25 سيارة ركوب ولنا أن نتساءل هنا عن موديلات تلك السيارات وحالتها وقت التكهين وسعر وتاريخ البيع وقت التكهين وأسئلة أخرى كثيرة كي يتبين لنا رشد أو سفه هذا القرار المالي المتخذ في غياب البرلمان.

كما ذكر البيان أنه تم توريد قيمة هذه السيارات للموازنة العامة للدولة وهنا نتساءل عما يفيد توريدها لحساب المجلس في موازنته باعتبارها أصول وممتلكات خاصة بالمجلس، حيث لم تَرِد بذلك المبلغ بند واضح في الحساب الختامي. كما جاء أيضا أنه وفى غياب مجلس النواب قام القائمين على شؤونه بطلب زيادة في موازنة المجلس لشراء سيارات جديدة ونتساءل هنا أيضا عن دواعي هذا الإسراف والبذخ في وقت نطالب فيه الشعب بالتقشف وتحمل الإجراءات الاقتصادية القاسية.

ثالثا: أفاد بيان الأمانة العامة بعدم توريد السيارات حتى الآن مع انه تم التعاقد عليها في فبراير 2016 أي بعد انعقاد المجلس وتم دفع كامل القيمة كما هو مسجل بالحساب الختامي لموازنة المجلس 2015/2016؟ وأتساءل أين السيارتين وما هي الإجراءات المتخذة حيال هذا التأخير مع وزارة الدفاع المسؤولة عن التوريد؟ وهل يمكن إنهاء التعاقد وإصلاح الوضع؟ وكيف تم إدراج كامل القيمة في الحساب الختامي دون استلام السيارات حتى الآن؟

رابعًا: قامت الأمانة العامة بالزج باسم وزارة الدفاع في محاولة لغلق باب المُساءلة المالية على عمليات شراء السيارات وهذا تصرف غير مسؤول حيث أن وزارة الدفاع من أكثر الوزارات دقة وصرامة في اتخاذ الإجراءات ولا يجب الزج بها في مثل هذه المعاملات.

خامسًا: ذكر البيان أن السيارة المصفحة الأولى تم شراءها بقيمة 393 ألف يورو في عام 2015 حيث كان سعر صرف اليورو حوالي 8.7 جنية مصري فأصبح سعر السيارة المصفحة يساوي 3.4 مليون جنية مصري وأضاف البيان أن هناك تعاقدًا آخر مع وزارة الدفاع بتوريد سيارتين أخريين بسعر 12 مليون جنيه. وعلى هذا يكون إجمالي التعاقدات على السيارات الثلاث 15.4 مليون جنيه في حين أن الحساب الختامي أورَد صرف مبلغ 18 مليون لشراء السيارات الثلاث مما يوضح وجود فرق في المبالغ بين بيان الأمانة و الحساب الختامي الرسمي المعتمد من هيئة المكتب. وأضاف السادات أن بيان الأمانة ذكر أن أسعار شراء السيارات المُشَار إليها أقل بكثير جدًا عن المبلغ المخصص من وزارة التخطيط لشرائها، وهو ما يتنافى نفيًا قاطعًا مع ما ورد بالحساب الختامي حيث تم إدراج صرف كامل المبلغ 22 مليون.

سادسًا: ذَكَر بيان الأمانة العامة للمجلس أنها تدعم حق المواطنين في معرفة كل ما يتعلق بإجراءات إدارة المجلس وهنا أدعو الأمانة العامة إلى الإفصاح فورًا عن الموازنة التفصيلية لعام 2015-2016-2017، والحسابات الختامية المتوافرة لهذه السنوات علي موقع المجلس وتوظيف مُراجِع حسابات مستقل للتدقيق في حسابات المجلس ونَشَر تقريره على الرأي العام.

سابعًا: ذكرت الأمانة العامة للمجلس في بيانها أنها تتمنى على النواب إذا كانت لديهم أسئلة أو استفسارات عن شأن من شؤون المجلس أن يستوضحوها منها حيث تتوافر لديها المعلومات التي تخص إدارة المجلس ولا تتوافر لدى وسائل الإعلام، وهنا أؤكد أنه منذ بداية انعقاد المجلس تقدمت بأسئلة واستفسارات عديدة حول شؤون داخلية بالمجلس إلى رئيس المجلس كما تقتضي اللائحة ولم أتلق ردًا واحدًا من رئيس المجلس أو الأمانة العامة للمجلس اللهم رد وحيد بالقبول والترحاب باستقالتي من رئاسة لجنة حقوق الإنسان، ناهيك عن عدم منحى الفرصة في الكلمة داخل قاعة المجلس أو حتى الرد ومناقشة ما أتقدم به من بيانات عاجلة واستجوابات وغيرها من الأدوات الرقابية المتاحة لكل النواب.

ثامنًا: في ظل ما تمر به البلاد من مصاعب اقتصادية كان من الأولي إعادة ترتيب أولويات الصرف والإنفاق داخل المجلس وترشيد النفقات بما يتوافق مع توجهات الدولة للتقشف وضبط الإنفاق لمواجهة عجز الموازنة. فإن كان ولا بد من الانفاق فكان من الأجدر هو توجيه مخصصات مالية كافية لرفع قدرات العاملين وتطوير أداء إدارات المجلس التي تشكل دولاب العمل اليومي الذي يساعد نواب الشعب علي أداء مهامهم المنتخبين من أجلها. ونأسف أن نرى في الحساب الختامي للموازنة تخصيص مبلغ متواضع جدا للتدريب و التطوير بواقع 10 جنيهات شهريًا لكل موظف.

تاسعًا: ورد في بيان الأمأنة بأن هناك خصومة بيني وبين هيئة مكتب المجلس وهذا عارٍ تمامًا من الصحة فنحن نعمل معًا كفريق عمل واحد وإن اختلفت الرؤى فهو خلاف موضوعي يصب في مصلحة الوطن. وخلاف بين أشخاص مسؤولين عن مصير دولة بكاملها أنأى بهيئة المكتب ونفسي عن الدخول في خلاف شخصي يُمَزِّق أوصال المؤسسات الوطنية.

عاشرًا: أؤكد أن الرقابة على أموال المجلس حق أصيل للنواب.

​ (4)

ماذا بعد؟

الأيام القليلة القادمة ستشهد الاستماع لأقوال السادات أمام لجنة القيم التي طلبته للتحقيق يوم الأحد المقبل، إذ أُحيل للجنة القيم منذ عدة أشهر بعد ورود خطاب من وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، تشكو فيه تسريب السادات لمشروع قانون الجمعيات الأهلية لسفراء دول أجنبية.

تبدو التهمة "ساذجة" لأن مشروع القانون كان منشورًا في الصحف بالفعل ولا يحتاج إلى التسريب، ولكن من الصعب التعويل على لجنة القيم، برئاسة النائب بهاء أبو شقة، إذ أنها عادة ما تعكس انحيازات المجلس. 

اللجنة وفقًا للوائح لا تملك إصدار قرار بعقوبة معينة ولكنها تضع مجموعة من القواعد تتراوح بين الحد الأدنى والأقصى ثم يُصَوِّت عليها النواب.

السادات بخلفيته السياسية الطويلة في البرلمان، هذا الذي يجعله يملك أدوات نيابية حقيقية، تَقَدَّم طوال العام الماضي بعشرات الطلبات والبيانات العاجلة، وكان يعرف تمامًا أنه قد يواجه مصيرًا يخرجه من القبة لكنه يقول: "أنا دخلت المجلس بأصوات الناس ورأسي مرفوعة، وسأخرج منه ورأسي مرفوعة"، ورفض السادات اقتراحات بعض نواب بتوخي الحذر وعدم إثارة أي أمور تؤدي لغضب رئيس المجلس بعد استقالة السادات من لجنة حقوق الإنسان ويقول: "أمارس دوري وحقي كنائب ووجهت سؤالًا مشروعًا".

ويعلم السادات أنه مزعج لرئيس المجلس الذي لم يُخفِ مطلقًا رفضه له وتعطيله لموضوعات تخص لجنة حقوق الإنسان خلال رئاسته لها، وتخلص المجلس بألاعيب انتخابية وتكتلات من وجود السادات ومجموعته في هذه اللجنة، وقد يُمارَس نفس الدور للتخلص منه تحت القبة.

الجميع يعرف كم الغضب الذي أثاره سؤال السادات لدى رئيس المجلس الذي يتخذ الموضوع بشكل شخصي، وسنرى في جلسة الغد هل سيسيطر على غضبه ويترك الأمر للجنة القيم وتصويت النواب، أم سيطرح الأمر في الجلسة العامة. 

النائب الذي يظهر وحيدًا في صورة المدافع عن أموال الشعب المصري، مُصِرّ على خوض المعركة للنهاية أيًا كانت نتائجها، بل أعتقد أن حساباته تسير في طريق الخروج في صورة النائب الذي يمارس دوره الرقابي الدستوري. هل سينتهي الأمر به خارج المجلس والتصويت على إسقاط عضويته؟ قد تكون الإجابة نعم لو طبقنا طريقة إدارة المجلس خلال الأشهر الماضية على السادات وخلافاته مع رئيس المجلس. هل سيفقد السادات ميزة؟ بالتأكيد يفقد حصانته ولكنه يعلم جيدًا أنه في النهاية إذا أرادوا إبعاده عن المجلس فسيفعلون، وبالتالي يخرج من المعركة بطلًا أمام الرأي العام.