مجلس النواب المصري
أعضاء مجلس النواب يوافقون على مشروع قانون الإيجار القديم وقوفًا، 2 يوليو 2025

يوميات صحفية برلمانية| انتخابات نواب 2025: ما دايم إلَّا وجه الله

منشور الثلاثاء 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025

"ما دايم إلَّا وجه الله" هكذا ردَّ مصدرٌ على سؤال وجهتُه إليه عن أسماءٍ بعينها هل ستتضمنها ترشيحات الأحزاب لمجلس النواب لانتخابات 2025؟ الإجابة التي استدعت مزيدًا من ضحكٍ كالبكاء على الوضع السياسي تعكس قدر الترقب لتشكيل البرلمان الجديد في 2026 بعد غربلة التشكيل القديم واستبعاد رموز وقيادات من الأغلبية استمروا في مقاعدهم على مدار 10 سنوات.

الفاصل بين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ لا يتجاوز ثلاثة أشهر، لكنَّ الهندسة السياسية في كليهما مختلفة تمامًا، فرغم إفساح القوائم المطلقة المغلقة في مجلس الشيوخ تمثيلًا أكبر للمعارضة مقارنة بتشكيل المجلس السابق، فإن المقاعد الفردية في الدوائر الواسعة فُصّلَت على مقاس الأحزاب الكبرى بالترتيب؛ مستقبل وطن، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، والشعب الجمهوري. 

أما انتخابات مجلس النواب، فتبدو هندستها أكثر براحًا وتسمح للمعارضة بهامش أكبر من الحركة وفق مصادر تحدثت معها المنصة، إضافة إلى وجود وعود بترك مساحات للمعارضة والمستقلين على الدوائر الفردية، وهو ما سبق وأكدته مها عبد الناصر، عضوة البرلمان ونائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، خلال حوارها معنا في برنامج أسئلة صعبة، وكرر التأكيد رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات خلال حلقة أخرى من البرنامج نفسه. 

عاملة نظافة تزيل آثار الانتخابات أمام إحدى اللجان 4 أغسطس 2025

كما تتردد معلوماتٌ في الكواليس عن تفاهمات غير معلنة في بعض الدوائر المخصصة لمقعدين أو ثلاثة، بحيث يُفسَح المجالُ لمرشحٍ من أحزاب الموالاة مقابل إتاحة فرصة حقيقية لمنافسٍ من المعارضة في محاولة لإضفاء لمحة من التوازن والتنافس السياسي. 

استبعادٌ واعتذارات

في إطار هندسة البرلمان الجديد، ضحى حزب مستقبل وطن بعدد كبير من كوادره الرئيسية، من بينهم قيادات امتدت عضويتهم لعشر سنوات، ويمكن اعتبارهم عقل البرلمان ومديريه، ومنهم رؤساء لجان نوعية مسؤولة عن مناقشة مشروعات القوانين والاتفاقيات والقروض، وطلبات الإحاطة الموجهة للوزراء. 

أبرز الأسماء المستبعدة من ترشحيات الحزب كان علاء عابد نائب رئيس حزب مستقبل وطن الذي ترأس لجنة حقوق الإنسان في الفصل التشريعي الأول، وترأس لجنة النقل والمواصلات في الفصل التشريعي الثاني.

قبل نحو شهر، دارت نميمةُ الأوساط السياسية حول اسم عابد، ما بين أخبار دخوله، ثم خروجه من القائمة الرئيسية التي تضم أحزاب الموالاة لساعات قليلة، قبل أن يعود وينضم لها من جديد، حتى أعلن اعتذراه عن خوض انتخابات مجلس النواب لفصل تشريعي جديد مكتفيًا بما قدمه، مبررًا ذلك بالرغبة في الدفع بوجوه جديدة. 

بعدها انتشرت أنباءٌ عن قيادي في حزب مستقبل وطن مستبعد من الانتخابات حاول مغادرة مصر، قبل أن يظهر عابد في حوار مصور في اليوم السابع يوضح فيه أنه موجود في مصر ولم يغادرها. 

الغريب أن كثيرًا من مبررات الاستبعاد غير مفهومة، فمن بين المبعدين النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية، أحد أنشط أعضاء المجلس على مدار فصلين تشريعيين، الذي برع في إدارة اجتماعات اللجنة ومناقشاتها مع المحافظين ومناقشة مشكلات المحليات ومحاولة إصدار توصيات ملزمة لممثلي الحكومة. 

كما أدار السجيني مناقشات مشروع قانون الإدارة المحلية قبل أن يرفضه مجلس النواب في الفصل التشريعي الأول، لنستمر حتى اليوم بدون مجالس محلية بالمخالفة للنصوص الدستورية. 

من بين المستبعدين أيضًا رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي سامي هاشم الرجل الذي دائمًا ما كان يمنع حضور الصحفيين لاجتماعات اللجنة على أهمية موضوعاتها، وطارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان ومحمود حسين رئيس لجنة الشباب والرياضة ومحمد كمال مرعي رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومحمد السلاب رئيس لجنة الصناعة.

سياسات الغربلة والاستبعاد لا تعكس اختيارات الجماهير والتقييم المنصف لأداء النواب

كما استبعد الحزب عددًا من رموز الصف الثاني التي استمرت في المجلس على مدار 10 سنوات مثل وكيل لجنة الإدارة المحلية النائب عن بولاق الدكرور محمد الحسيني، ووكيل لجنة الخطة والموازنة النائب عن أبنوب في أسيوط ياسر عمر.

لم يقتصر الاستبعاد  على قيادات مستقبل وطن فقط، بل حضر في أحزاب أخرى وأيضًا في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التي استعبدت عضو مجلس النواب محمود بدر من ترشحياتها، ليخرج بعدها معتذرًا عن خوض الانتخابات على الفردي لعدم القدرة على مواجهة المال السياسي.

المؤكد أن سياسات الغربلة والاستبعاد غير نابعة من فلسفة واضحة تعكس اختيارات الجماهير وتقييم المواطنين لنوابهم ورغباتهم في دوائرهم، كما أننا لا نجد إجابات قاطعة من المصادر عن تساؤلات مثل؛ هل هناك ملاحظات تتعلق بشبهات فساد؟ هل سياسة التغيير تشمل معظم المستمرين في مقاعدهم دورتين متتاليتين؟ ما المعايير التي اتخذت على أساسها قرارات الاستبعاد وتحديد البدائل الجديدة؟ 

تدوير النخبة

لم يخلُ أيٌّ من المجالس النيابية السابقة من وزراء سابقين انتخبوا أعضاء برلمان، لكن المجلس الجديد يشهد طفرةً في عددهم، فحسب المصادر والمعلومات المنشورة يدفع حزب الجبهة الوطنية بعدد من كوادره من الوزراء السابقين، أبرزهم وزير الشؤون النيابية السابق علاء فؤاد، ورئيس الحزب وزير الإسكان السابق عاصم الجزار، والأمين العام للحزب وزير الزراعة السابق السيد القصير، واللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية الأسبق. 

ومن حزب مستقبل وطن، ينضم وزير العمل الأسبق محمد سعفان للقائمة الوطنية من أجل مصر ليلحق بكتيبة الوزراء السابقين في البرلمان.

بدلًا من ضخ دماء جديدة تُعاد وجوه الإدارة القديمة

الاستعانة بوزراء سابقين في تشكيل مجلس النواب قد سمنح المجلس ثقلًا على مستوى الخبراء في عدد من الملفات، لكنه في الوقت نفسه يعيد إنتاج الحلقة الضيقة نفسها من النخبة التنفيذية التي ظلت تدور في مفاصل الدولة لعقود.

وبدلًا من ضخ دماء جديدة تمثل أجيالًا مختلفة أو تيارات سياسية خارج دوائر السلطة، تُعاد وجوه الإدارة القديمة إلى المشهد في أدوار  تشريعية ورقابية، فحضور الوزراء القدامى قد يضعف قدرة المجلس على الرقابة أو طرح رؤى لبدائل أو نقد السياسات القائمة بجرأة.

نجوم المعارضة 

ضمن التغييرات التي تجري على شكل البرلمان، وترقب فتح مساحات أكبر للمعارضة، يخوضُ بعض رموزها المنافسةَ في الدوائر الفردية.

النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، الذي حصل على مقعده في انتخابات 2020 من خلال اشتراكه في القائمة الوطنية من أجل مصر، قرر خوض معركته على دائرة القاهرة الجديدة (التجمع الخامس والشروق وبدر)، ليتنافس على مقعدين مع عدد من المرشحين، أبرزهم مرشح لمستقبل وطن، قبل أن يعلن مرشح آخر لحماة الوطن انسحابه من السباق.

أما النواب ضياء الدين داود وأحمد الشرقاوي وأحمد بلال الذين وصلوا لمقاعدهم بالانتخاب الفردي، فيستمرون في المنافسة على هذه المقاعد مع تلويح بعض المصادر بوجود ترتيبات وتوافقات لتجنب خسارة رموز المعارضة البارزة داخل المجلس المقبل، وهو ما نفاه الشرقاوي في تصريحات لـ المنصة مؤكدًا عدم وجود تنسيق بينه وبين أحزاب أو أجهزة.

بينما يعود للمنافسة النائب السابق طلعت خليل، المنسق العام للحركة المدنية، ليخوض الانتخابات في السويس عن حزب المحافظين، ويكرر إيهاب الخولي تجربة الانتخابات في إمبابة عن الحزب نفسه.

في ضوء هذه التحولات، يبدو أن انتخابات 2025 لا تُدار فقط بمنطق التنافس الحزبي، بل وفق معادلة أكثر تعقيدًا تمزج بين إعادة هندسة المشهد النيابي وضبط إيقاع المعارضة ضمن حدود محسوبة.

لا يمكن الجزم بأن هذه المساحات المفتوحة ستتحول إلى فرص حقيقية للتعددية، لكنها على الأقل تكشف عن إدراك ضمني بأن الإغلاق الكامل لم يعد ممكنًا، وأن تجديد الواجهة بات ضرورةً سياسيةً، و"ما دايم إلا وجه الله".