لوحة بعنوان الثورة في متحف الفن بروكلين


عاصرت انقلاب 23 يوليو 1952

منشور الجمعة 21 تموز/يوليو 2017

في شهر يوليو/تموز من عام 1952 كنت في الإجازة الصيفية مثل ملايين غيري من "التلامذة بتوع عم حمزة"؛ فأنا من مواليد مارس/آذار 1937، ليكون عمري أيامها 15 سنة. وكنت أدرس في المرحلة الثانوية في "كلية الأمريكان بأسيوط"، وأقضي الإجازة الصيفية مع أهلي الذين نزحوا من السودان إلى مصر في مدينة الأقصر، حيث عُيّن والدي القس البروتستانتي الإنجيلي راعيًا للكنسية الإنجيلية بالأقصر. 

أذكر أني رسبت في امتحان النقل من سنة ثالثة إلى رابعة ثانوي، وكان عليَّ أن أذاكر الملحق في البيت استعدادًا للامتحان، ثم سمعنا الخبر في الراديو. بالطبع لم يكن لدي من الوعي السياسي ما يمكنني من فهم ما الذي يحدث. كنت أيامها أستمد وعيي من مجلة "الاشتراكية" التي أسسها أحمد حسين، وكانت تشن هجومًا ساحقًا على الملك تحديدًا وعلى كل الوزارات، لكن ديماجوجيتها كانت تعجب وعيي البسيط وتجد استجابة قوية عندي.

وبالتالي اشتركت مثل غيري من تلاميذ كلية الأمريكان في المظاهرات الوطنية نمزق صورة الملك وندوسها بالأقدام! 

هكذا، حينما أزاح الانقلاب الملك فاروق بعد ثلاثة أيام خرجت مع الخارجين في مظاهرة ضخمة نؤيد الضباط الأحرار في إزاحة الملك "الفاسد"، الذي تنشر الصحف فساده في حقل القمار والنساء(!) كل هذا بالطبع دون وثائق طبقًا للتقليد المصري "احكم على الشخص وبعدين هات الوثائق"!

حينما بدأ العام الدراسي كان الضباط الأحرار يقومون بجولة في مدن مصر الكبرى، ووصلوا أسيوط وجاءوا إلى الكلية، واستمعت لمحمد نجيب وهو يخطب ويطالب الناس ألا يعطوا القطط طعامًا لأن "حتة العيش للقطة" تؤثر -مش عارف إزاي- في الاقتصاد المصري.

كان نجيب يخطب من فوق درج مبنى الإدارة، وهو المبنى الرئيسي في الكلية، وعلى جانبي الدرج جلس من معه من الضباط، وهناك رأيت لأول مرة جمال عبد الناصر يجلس تقريبًا وحده بينما الباقون واقفين، ورأيت ثمة ابتسامة اعتقدت ساعتها أنها ساخرة عشان حكاية القطة.

وتروح الأيام وتجيء وأتخرج من جامعة القاهرة عام 1960 قسم صحافة، وأدخل السجن في ديسمبر/كانون الأول وأخرج في عفو عام عنّا من ناصر في أبريل/نيسان 1964، وأشاهده للمرة الثانية والأخيرة "لايف" في الإسكندرية حين خرجت مع الجماهير لنحيي الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف وناصر في عربة مكشوفة، وهتفت مع الهاتفين، رغم إني خارج من السجن منذ فترة قصيرة و"عليَّ مراقبة"/إقامة جبرية من غروب الشمس لشروقها في البيت، أهتف عاش ناصر وخروتشوف!

https://www.youtube.com/embed/xyvrGl_47rU

وماذا يفعل المرء في جهله السياسي؟!

لم تكن عضوية التنظيمات الماركسية بحد ذاتها سببًا كافيًا لفهم ما حدث منذ ليلة الثاني والعشرين من يوليو مرورًا بإعدام العاملين خميس والبقري شنقًا، ثم عزل محمد نجيب وسجنه في منزله قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته، انتهاءً بالموقف من "الإصلاح الزراعي" وما إذا كان تفتيتًا للأرض والملكية الزراعية وكسرًا لشوكة الإقطاعيين القلائل، أم انحيازًا للفلاحين. 

إن الماركسية بمعناها النظري لم تكن معروفة جيدًا عند معظم أعضاء المنظمات الماركسية المصرية نتيجة لعدة أسباب لوجستية، منها أن الترجمة الوحيدة المتاحة كانت اللبنانية أو تلك الصادرة من"دار التقدم" السوفيتية، وكلتاهما صعبتا الفهم نتيجة لالتباس المعاني. ثانيًا، كانت معظم الكوادر الرئيسية في التنظيمات الماركسية بسيطة التعليم والعلم، قادمة من الريف، أو من عمال مصانع النسيج وغيرها.

بقي أن نذكر الماركسيون المصريين من جناح حدتو/الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، وهم أول من ساهم في ترسيخ اصطلاح "ثورة" بدلًا من "انقلاب"، للعلاقة السرية وشبه التنظيمية التي كانت بين ناصر من جهة وبين التنظيم من جهة أخرى عبر خالد محي الدين. 

ما نستخلصه هنا أن عضوية التنظيمات الماركسية لم تكن مرتبطة بفهم ما عميق أو غير عميق للماركسية في حد ذاتها.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.