متداولة على إكس
جثامين قتلى الهجوم على مسجد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور، 19 سبتمبر 2025

سقوط الفاشر في قبضة الدعم السريع.. هل بدأ انهيار "الدولة"؟

محمد الخولي
منشور الأربعاء 29 تشرين الأول/أكتوبر 2025

مَثل سقوط مدينة الفاشر، شمال دارفور، في يد قوات الدعم السريع تحولًا كبيرًا في مسار الحرب مع الجيش السوداني، الدائرة منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، وقالت خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أماني الطويل لـ المنصة إنها "بداية انهيار الدولة الوطنية السودانية".

والأحد الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع، سيطرتها على مدينة الفاشر بعد معارك عنيفة انتهت بالاستيلاء على مقر الفرقة السادسة للجيش وآخر معاقله في المدينة، وهو ما أقر به قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في اليوم التالي، معلنًا انسحاب القوات "تجنبًا لمزيد من الدماء والضحايا".

وتقع الفاشر في المنطقة الشمالية من إقليم دارفور، وتعد عاصمة الإقليم وتبعد أكثر من 800 كيلومتر إلى الغرب من العاصمة الخرطوم، ونحو 195 كيلومترًا عن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور.

وتعد الفاشر آخر عاصمة إقليمية كانت خارج سيطرة الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، وظلّت محاصَرة لأكثر من 18 شهرًا. وخلال الحصار، وثّقت منظمات إنسانية نقصًا حادًا في الغذاء والدواء، ما أدى إلى تفشي الجوع والأمراض بين سكانها، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 250 ألف نسمة.

ليس انتصارًا عسكريًا فقط

وترى أماني الطويل أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر لا يعني انتصارًا عسكريًا فقط، بل له دلالة كبيرة على بداية انهيار الدولة الوطنية السودانية وتفكيكها إلى عدة أقاليم متصارعة، مشيرة إلى أن ما حدث يمثل "نقطة تحول حاسمة".

وأضافت إلى أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر لا تعني استحالة إعادتها لسيطرة الجيش، لكن هذا يتوقف على عدة عوامل داخلية وإقليمية وكذلك غربية، مشيرة إلى أن الأمر يتوقف على قدرة الجيش على استعادة وتأمين خطوط إمداده الحيوية.

وتوضح أهمية الفاشر بالنسبة للدعم السريع كونها تفتح أمامه المجال نحو الحدود الليبية والتشادية، وبالتالي "تمنحه تحكمًا كبيرًا في الإمدادات والتمدد اللوجستي، مع حرمان الجيش السوداني من خطوط إمداده"، لافتة إلى أن سيطرة الدعم السريع على الفاشر يمكن أن تفتح أمامها الطريق للسيطرة على مناطق أخرى ذات أهمية كبيرة كمنطقة الأبيض التي تعرف بأنها عاصمة المحاصيل في السودان.

بوابة تهديد لمصر

وعن تأثير سيطرة الدعم السريع على الفاشر بالنسبة لمصر، قالت أماني الطويل إنه الموقع الجغرافي للفاشر يجعلها بوابة محتملة لتدفق السلاح والمسلحين نحو الحدود الغربية لمصر.

وأوضحت أن التمدد العسكري واللوجستي للدعم السريع في الاتجاه الغربي والجنوبي الغربي من السودان، يعزز مخاوف الدولة المصرية من اقتراب وتعاظم نفوذ قوى إقليمية منافسة، كون التوازنات الأمنية المعقدة على حدود مصر الجنوبية ستتعرض لاختلال عميق وخطير في بنيتها، مشددة على أن هذا الاختلال يهدد أمن مصر القومي بشكل مباشر.

وهو ما يتفق معه نائب وزير الخارجية السابق للشؤون الإفريقية السفير علي الحفني، موضحًا لـ المنصة أن أي توتر أمني وعسكري في السودان هو بالضرورة له انعكاسات على الأمن القومي المصري، وبالتالي "يمثل مصدر قلق للدولة المصرية".

وأشار الحفني إلى أن "مصر لديها أسس راسخة تقضي بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدول وهو ما يحدث حاليًا في السودان وأيضًا في ليبيا".

وأكمل أن الموقف المصري المعلن دائمًا في مثل هذه الأزمات والصراعات العسكرية هو السعي بشكل حاسم لوقف الحرب ورفض خطط التقسيم، وأن يكون ذلك عن طريق كل القوى الفاعلة على الأرض من خلال الاتفاق على آلية محددة للعيش الآمن.

وأشار نائب وزير الخارجية السابق إلى أن طرفي الصراع في السودان لا يلتفتان إلى الوضع الإنساني في البلاد، مشددًا على "ضرورة العمل بشكل جدي لوقف الحرب فورًا وتقديم الدعم الطبي والإنساني للضحايا".

وفي مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، أشارت مديرة مكتب المفوضية الفرعي في بورتسودان جاكلين ويلما بارليفليت إلى تقارير تفيد بأن دخول قوات الدعم السريع إلى عاصمة شمال دارفور أثار خوفًا واسع النطاق بين العائلات، موضحة أن "الفارين من المدينة واجهوا نقاط تفتيش مسلحة، وتعرضوا للابتزاز، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز، والنهب، والمضايقة، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان".

ومساء الاثنين الماضي أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن "القلق البالغ بشأن التصعيد العسكري الأخير في الفاشر"، مدينًا ما جاء بالتقارير حول ارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وخروقات حقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات العشوائية واستهداف المدنيين والبنية التحتية والعنف القائم على النوع الاجتماعي والهجمات بدوافع عرقية وإساءة المعاملة.

واتهمت "تنسيقية مقاومة الفاشر" عناصر من قوات الدعم السريع بتصفية جرحى ومصابين داخل المستشفى السعودي بمدينة الفاشر، المنشأة الطبية الوحيدة التي لا تزال تعمل جزئيًا في المدينة، فيما نفى عضو الهيئة القيادية في تحالف "تأسيس" المساند للدعم السريع حسب النبي محمود، وقوع مجازر في المدينة، وقال لقناة العربية، إن التحالف شكّل لجانًا للتحقيق في أي انتهاكات محتملة.

ومن جانبها تشير أماني الطويل إلى أن القاهرة لا تزال تنتهج "سياسة الحذر" في التعامل مع الأزمة السودانية، غير أن التطورات العسكرية الأخيرة يمكن أن تدفعها نحو إعادة تقييم شامل لخياراتها الاستراتيجية، لافتة إلى أن مصر تتعامل بحساسية في هذا الملف كونها تعمل من جهة على الحفاظ على دور الوسيط التقليدي في السودان، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع أي طرف هناك، وفي الوقت نفسه، يجب عليها حماية أمنها القومي وحدودها.

والتقى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي نظيره السوداني محي الدين سالم، اليوم الأربعاء، وبحثا آخر المستجدات على الساحة السودانية، وقال السفير تميم خلاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية إن عبد العاطي "أكد على دعم مصر الكامل للشعب السوداني، والتزامها بمواصلة جهودها الرامية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان"، حسب بيان للخارجية.

وأكد عبد العاطي، حسب البيان، "انخراط مصر بفاعلية في المسارات الساعية إلى وقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية شاملة تتيح نفاذ المساعدات الإنسانية وتخفيف معاناة المدنيين".

وشدد عبد العاطي على "تمسك مصر بوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية، مؤكداً أن أمن السودان واستقراره يعدان جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة".