حذر مصدران قانونيان مما وصفاه بـ"ثغرة إجرائية خطيرة" تهدد بضياع حقوق الطاعنين في القضايا الانتخابية التي قضت فيها المحكمة الإدارية العليا مؤخرًا بعدم الاختصاص والإحالة إلى محكمة النقض.
وكانت المحكمة الإدارية العليا أصدرت ضمن أحكامها الأخيرة المتعلقة بالطعون الانتخابية، ما يزيد عن 65 حكمًا بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الطعون على حسم مرشحين في الانتخابات لمقاعدهم من الجولة الأولى، بالنظر إلى أن الطبيعة القانونية لهذه الطعون ترتبط بالفصل في صحة عضوية هؤلاء النواب، وهو ما تختص بنظره والفصل فيه محكمة النقض دون غيرها، فيما تختص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن على قرارات إعلان النتيجة التي تتضمن خوض المرشحين لجولة إعادة، ومن ثم قررت الأخيرة إحالة الطعون بحالتها إلى محكمة النقض لنظرها والفصل فيها.
وإزاء ذلك، أجمع مصدران قانونيان على صلة بملف الطعون الانتخابية على أن محكمة النقض ووفقًا لأحكام حديثة أصدرتها يغلب على الاتجاهات القضائية فيها عدم الاعتراف بآلية "الإحالة" إليها من جهات قضائية أخرى في منازعات صحة العضوية، مما يعني أن مصير هذه الطعون سيكون الحكم بـ"عدم القبول" شكلًا لرفعها بغير الطريق القانوني.
وأوضح المصدران، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما، أن القانون رسم طريقًا محددًا وإجراءات صارمة للطعن على صحة عضوية نواب البرلمان أمام محكمة النقض "تتطلب إيداع الطعن مباشرة أمام المحكمة في المواعيد القانونية المقررة، وليس عبر الإحالة من مجلس الدولة".
وأشارا إلى أن محكمة النقض، وهي أعلى محاكم القضاء العادي، تتمسك بهذه الإجراءات الشكلية ولا تقبل الدعاوى المحالة إليها من محاكم لا تتبع ولايتها، على اعتبار أن "الإحالة لمحكمة النقض" بدعة إجرائية غير موجودة في قانوني المرافعات أو حالات الطعن أمام النقض.
وشددا على وجود سوابق قضائية وصدور أحكام عديدة لمحكمة النقض مؤخرًا تؤيد هذا الرأي، إذ قضت المحكمة مرارًا بعدم قبول الطعون المحالة إليها من جهات قضائية أخرى لعدم مراعاة الإجراءات والمواعيد، وأكدا ضرورة أن يلتزم المحامون برفع الطعون أمام الجهة المختصة مباشرة وفي المواعيد المحددة تفاديًا لإهدار حقوق موكليهم في التقاضي.
ودلل أحد المصدرين على حديثه بحكم قضائي أصدرته محكمة النقض في 13 فبراير/شباط 2024، بخصوص أحد الطعون الانتخابية التي أحيلت إليها بشأن انتخابات مجلس نواب 2015، وهو الطعن رقم 260 لسنة 85 قضائية (طعون انتخابية)، حيث قضت المحكمة بعدم قبول الطعن الذي أحالته إليها محكمة القضاء الإداري، مؤسسة حكمها على أن القانون "رسم طريقًا إلزاميًا وحصريًا لرفع هذه الطعون أمام محكمة النقض مباشرة، لا يجوز استبداله برفع دعوى أمام جهة قضائية غير مختصة ثم إحالتها".
وتعود وقائع النزاع في الحكم، الذي حصلت المنصة على نسخة منه، إلى قيام أحد المرشحين برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري طعنًا على نتيجة الانتخابات البرلمانية لعام 2015 في دائرته، مطالبًا بإعادة فرز الأصوات.
وفي حالة مماثلة لما جرى أمام المحكمة الإدارية العليا مؤخرًا، قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة النقض باعتبارها الجهة المختصة وفقًا للدستور.
لكن محكمة النقض رفضت هذا المسلك، مؤكدة في حيثياتها أن إجراءات التقاضي من النظام العام، وأن المشرع حدد في القانون رقم 24 لسنة 2012 إجراءات محددة للطعن تتطلب إيداع صحيفة الطعن مباشرة بقلم كتاب محكمة النقض خلال 30 يومًا من إعلان النتيجة، مع سداد الكفالة المقررة.
وشددت المحكمة في حيثيات حكمها على أن لجوء الطاعن إلى محكمة القضاء الإداري بدلًا من محكمة النقض يعد مخالفة للإجراءات الجوهرية التي نص عليها القانون، وأن حكم القضاء الإداري بالإحالة استنادًا للمادة 110 من قانون المرافعات لا يصحح هذا الخطأ ولا يجعل الطعن مقبولًا أمام النقض.
وأوضحت المحكمة أنه طالما حدد القانون محكمة بعينها (النقض) وإجراءات خاصة لرفع الدعوى أمامها، فلا يجوز للخصوم اللجوء إلى سواها، مما يستوجب الحكم بعدم قبول الطعن لعدم اتباع الطريق القانوني السليم.
وقبل نهاية الشهر الماضي، أصدرت المحكمة الإدارية العليا 30 حكمًا قضائيًا غير قابلين للطعن بإلغاء قرار الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتيجة الانتخابات على المقاعد الفردية في 30 دائرة انتخابية، كان من المنتظر أن تشهد جولات إعادة على مقاعدها خلال الأسبوع الحالي.
وبهذه الأحكام، يصبح عدد الدوائر التي تم إبطالها في 14 محافظة بالمرحلة الأولى من الانتخابات 49 دائرة من أصل 70 دائرة ضمتها تلك المرحلة، إذ سبق للهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتيجة الانتخابات على المقاعد الفردية في 19 دائرة انتخابية أخرى.
وذلك بعدما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الهيئة بالتدقيق في المخالفات والأحداث التي وقعت خلال المرحلة الأولى من الانتخابات.
ولم تكن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية وحدها التي شهدت مخالفات، إذ خرجت كذلك المرحلة الثانية لتؤكد بقاء الأمور على حالها، وأنه لا سبيل لإخراج مشهد انتخابي أقل فجاجة، إذ خرجت بنفس كتالوج المرحلة الأولى مكررة المخالفات ذاتها.