تصميم أحمد بلال، المنصة
إيران على خط مواجهة مباشر مع إسرائيل وسط توقعات باندلاع حرب شاملة

مفاوضات إيران والترويكا الأوروبية.. السير على حافة الهاوية

منشور الاثنين 28 يوليو 2025

بعد ساعات قليلة من جلسة مفاوضات جمعت نواب وزراء خارجية إيران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في إسطنبول للتشاور حول الاتفاق النووي الإيراني، خرج المرشد الأعلى علي خامنئي محذّرًا من أن "الأعداء الذين يواصلون دقّ الحديد البارد لن يبلغوا أهدافهم".

خامنئي الذي أكد قبل أسبوع استعداد بلاده للرد على أي هجوم يستهدفها بشكل أقوى، عاد في كلمة يوم الجمعة الماضي ليؤكد أن الحركتين العسكرية والعلمية في إيران ستتقدمان بزخم أكبر، "من واجب القادة العسكريين تجهيز بلادنا بشكل مستمر بأداوت حماية الأمن والاستقلال".

هذا التحذير لم يكن مجرد خطاب تعبوي يراد به حشد الرأي العام الداخلي ضد أعداء إيران، بل يعكس حالة القلق والشك التي تسيطر على القيادة الإيرانية، خصوصًا بعد تجربة الحرب الأخيرة مع إسرائيل، التي كشفت هشاشة المسار الدبلوماسي التي انخرطت فيها طهران مع أطراف أثبتت التجربة أنها تسعى إما لتدميرها أو إخضاعها.

القيادة الإيرانية باتت تتوجس من أن تكون المفاوضات الجارية مجرد ستار لخطة خداع استراتيجي جديدة، في تكرار لما حدث قبل اندلاع الحرب الأخيرة، التي هاجمت فيها إسرائيل أهدافًا حيويةً داخل العمق الإيراني بضوء أخضر أمريكي، بينما كانت مباحثات البرنامج النووي مستمرةً مع الولايات المتحدة والأوروبيين. وهو ما كشفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما تباهى لاحقًا بدوره في خطة التضليل تلك، مؤكدًا علمه المسبق بالتفاصيل الكاملة للهجوم الإسرائيلي.

كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين كاظم غريب آبادي عبَّر عن هذا الشك بوضوح حين قال "نحن مستعدون للعودة إلى طاولة المفاوضات، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل، لكن يجب أن نقتنع أن المحادثات ليست غطاءً لمزيد من العمل العسكري"، مُذكّرًا بأن المسؤولين الأمريكيين كانوا يناقشون معهم مواعيد المحادثات المقبلة وهم يُنسِّقون في الوقت نفسه خطط الحرب مع الإسرائيليين.

ورغم تلك الحالة من انعدام الثقة، أوفد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي وفدًا رفيع المستوى إلى إسطنبول للمشاركة في المحادثات مع الترويكا الأوروبية.

تشارك إيران في هذه الجولة التفاوضية وهي تدرك أنها تقف على حافة مواجهة جديدة

الأوروبيون طرحوا خلال هذه الجولة من المحادثات إطارًا تفاوضيًا يشمل التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والكشف عن مصير نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، الذي اختفى بعد سلسلة الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة.

في المقابل، رفضت طهران بشدة مقترح تفعيل آلية الزناد/snapback، التي تعيد فرض العقوبات تلقائيًا على إيران حال خرقها شروط اتفاق 2015، الذي تنتهي صلاحيته فعليًا بعد نحو شهرين.

عراقجي، المحسوب على التيار الإصلاحي، واجه انتقادات حادة من الأصوليين في الداخل، بعد أن حاول طمأنة الرأي العام الغربي في حواره مع قناة فوكس نيوز، وهو يعلن استعداد بلاده لفتح صفحة جديدة لا تتضمن شعارات مثل "الموت لأمريكا" أو "محو إسرائيل من الوجود"، وينفي رغبتها في اغتيال الرئيس الأمريكي أو رئيس الوزراء الإسرائيلي.

فور نشر الحوار، شنّ المتشددون في إيران هجومًا على عراقجي، واصفين إياه بـ"الضعيف" و"المتراجع"، محذرين من أن هذا التناقض بين الخطاب الداخلي والخارجي قد يفتح شهية العدو للمزيد من التصعيد، وهو ما دعا وزير الخارجية إلى اتهام القناة الأمريكية بتحريف تصريحاته.

يوارب الإصلاحيون الذين ينتمي إليهم عراقجي ورئيسه مسعود بزشكيان الباب، أملًا في الوصول إلى نزع فتيل حرب غير مأمونة العواقب. وينطلق ذلك من إدراك أن أي مواجهة مفتوحة مع إسرائيل والولايات المتحدة قد تفضي إلى ما هو أبعد من تدمير البرنامجين النووي والصاروخي، أو حتى بنية النظام ذاته، لتصل إلى الجمهورية الإسلامية نفسها.

وفي ظل المساعي الأمريكية والإسرائيلية إلى تقويض الجمهورية الإسلامية في إيران، أو تحويلها إلى دولة ضعيفة مستباحة لا تشكل تهديدًا على أمن إسرائيل ولا مصالح الغرب في المنطقة، يظل ما تمر به سوريا اليوم، وسبقها إليه العراق وليبيا من قبل، هاجسًا لدى هذا الجناح الواقعي في نظام الملالي.

أما الأصوليون، فيسعون إلى تصدير خطاب القوة والانتصار والصمود إلى الداخل الإيراني، مدفوعين بالخشية من أن اهتزاز ثقة الشارع في نظامهم قد تؤدي إلى احتجاجات واضطرابات داخلية، يرون أنها أخطر على الجمهورية الإسلامية من أي عدوان خارجي.

الصحافة العبرية كشفت في الأيام الماضية أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية تجري تقييمًا شاملًا لحرب الـ12 يومًا، يتجاوز التحليل إلى الإعداد والتحضير لمواجهة جديدة. تشير التسريبات التي نشرت في منصات الإعلام الإسرائيلية إلى أن تل أبيب ترى أن عنصر المفاجأة وحسن التوقيت سيكونان حاسمين وسط مخاوف من أن تكون طهران رممت قدراتها العسكرية التي تضررت بفعل الضربات السابقة.

ووفقًا لتقارير إيرانية، بدأت إسرائيل بالفعل تنفيذ عمليات تخريبية في شمال إيران، استهدفت منشآت للطاقة وتسببت في سلسلة حرائق غامضة. يصفها الإعلام الرسمي بـ"الحوادث المريبة"، بينما اتهمت وسائل إعلام قريبة من الحرس الثوري إسرائيل بالوقوف خلفها.

في المقابل، تتحرك طهران سريعًا لترميم بنيتها الدفاعية، بدعم تقني واستخباري من روسيا والصين، اللتين تخشيان من انهيار حليف تتعامل معه الدولتان باعتباره ركيزة أساسية من ركائز المحور المناهض للغرب.

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن بكين وموسكو تعملان على رفع كفاءة الدفاعات الجوية الإيرانية وتطوير برنامجها الصاروخي، بما يمنح طهران قدرة أكبر على الردع.

تشارك إيران في هذه الجولة من التفاوض على برنامجها النووي، وهي تدرك تمامًا أنها تقف على حافة مواجهة جديدة تخشى من الانزلاق فيها، لا سيما بعد الخسائر التي طالت مقدراتها العسكرية في الحرب الأخيرة.

أما إسرائيل، فتسعى لتوريط الولايات المتحدة معها في جولة جديدة لاستكمال ما بدأته، فبقاء النظام الإيراني والجمهورية الإسلامية يمثل تهديدًا وجوديًا للدولة العبرية، فما بالك لو انتقلت طهران من مرحلة "الغموض النووي" إلى محطة "اليقين" الذي قد تفاجئ به إيران المجتمع الدولي؟

حينها ستتغير قواعد اللعبة بالكامل وتعيد الأطراف صياغة قواعد اشتباك جديدة، وستجد إسرائيل نفسها مضطرةً لإعادة حساباتها، في ظل واقع إقليمي جديد قد يصعب عليها تجاوزه.