DALL.E
الحرب الإسرائيلية الإيرانية

خريطة المنطقة ترسمها صواريخ إيران وإسرائيل.. ومصر تضيف لدورها

منشور الثلاثاء 17 يونيو 2025

تضعُ الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي اندلعت بغتةً فجرَ الجمعة الماضي الشرق الأوسط في مهبِّ تغييرات جذرية عميقة؛ تتبدل فيه مراكز القوى، وتتعدل العدوات والصداقات.   فبينما تشير ترجيحات إلى أن مصر مرشحة للعب دور وساطة، ما يعزز نفوذها، تجد دول الخليج التي طالما رأت في طهران خصمًا بلغت العلاقة معها أحيانًا درجة العداء، نفسها أمام مخاوف اختلال التوازن الإقليمي بشكل حاد لصالح تل أبيب، ما قد يفتح الباب على ما هو أخطر من الزحف الفارسي الذي توقف.

مصر أمام دور إقليمي أكبر

القاهرة التي أبدت مؤخرًا مزيدًا من الانفتاح على إيران لن يكون زوال أحد مرتكزات التوازن الإقليمي خبرًا جيدًا لها، لكنها في الوقت نفسه تبدو مرشحةً أكثر من أي وقت مضى للعب دور وساطة مركزي من شأنه إنهاء التصعيد العسكري قبل أن يبلغ مرحلة تهديد بقاء النظام الإيراني. 

يكشف دبلوماسي مصري مطلع على ملف العلاقات مع إيران أن مسؤولين مصريين عرضوا في اتصالات جرت مع نظرائهم الإيرانيين استعداد القاهرة للوساطة من أجل استعادة الهدوء في المنطقة وتجنب التصعيد، لكنه أكد لـ المنصة أن الإيرانيين أرجأوا الحديث عن أي وساطات قبل استنفاد حق بلادهم في الرد وردع إسرائيل.

واندلعت المواجهة بين تل أبيب وطهران في وقت تشهد العلاقات بين مصر وإيران تقاربًا كبيرًا، حيث سبقت الهجوم الإسرائيلي زيارة استثنائية لوزير الخارجية عباس عراقجي للقاهرة شهدت احتفاءً واسعًا يشير إلى تطور إيجابي كبير في العلاقات بين البلدين.

تزامن ذلك مع تصريحات إيرانية عن رغبة جادة في استعادة وتطبيع العلاقات مع مصر، تُرجمت بشكلٍ عملي في قرار البرلمان الإيراني الأحد تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس الراحل أنور السادات في طهران إلى شارع حسن نصر الله، ليتجاوز البلدان واحدًا من أهم أسباب توتر علاقتهما خلال العقود الأربعة الماضية. 

خصوم إيران يخسرون معها

تتصاعد حدة الهجمات المتبادلة بين طهران وتل أبيب منذ الجمعة الماضي، وفيما تقول إسرائيل التي نفذت عمليات اغتيال لقادة عسكريين وعلماء ذرة إيرانيين إنها تسعى لإنهاء "تهديد النظام الإسلامي النووي والبالستي"، ترد إيران بموجات صواريخ بالستية تخلَّف دمارًا غير معتاد في تل أبيب.

ويرى اللواء أحمد فاروق مستشار المركز الوطني للدراسات والخبير في شؤون الأمن الإقليمي أن طهران استطاعت تجاوز صدمة "خلخلة الاتزان القيادي" التي تتبعها تل أبيب مع خصومها مؤخرًا، حيث تقوم قبل بدء أي مواجهة بضرب القيادات رفيعة المستوى عبر عمليات استخبارية عسكرية، بهدف الوصول لتحقيق هزات معنوية، وإرباك القيادة. 

ويستدل فاروق في حديثه لـ المنصة على نجاح إيران في امتصاص الصدمة وتعويض القيادات ببدائل وفق تسلسل يبدو جاهزًا مسبقًا، بقوة الرد الإيراني الذي جاء عقب 17 ساعة من الضربة الأولى.

مرونة إيران وقدرتها على مواجهة الضربات الإسرائيلية المتتالية قد تصبُّ في مصلحة دول الخليج في رأي فاروق "بعكس توقعات الكثيرين"، فهو لا يرى أن القوى الإقليمية التقليدية مثل تركيا والسعودية مرشحة لملء مساحات النفوذ الإيراني، مشددًا على أن حالة التفرد التي ستحققها إسرائيل، في غياب أي توازن للقوى في المنطقة، ستمثل ضررًا كبيرًا يطال الجميع وسيمتد لا شك إلى دول الخليج.

إسرائيل ستفشل في القضاء على البرنامج النووي

يظل احتمال الهزيمة الإيرانية مستبعدًا بالنسبة لفاروق الذي يُرجِّح فشل إسرائيل في تحقيق هدفها بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني، بالتالي العودة مجددًا إلى المسار التفاوضي، متوقعًا ألا تعود إيران للتفاوض قبل استرداد كرامتها الإقليمية.

وعلَّقت إيران السبت مشاركتها في محادثات برنامجها النووي مع الولايات المتحدة بعد العدوان الإسرائيلي باعتبار أن المفاوضات "لم تعد مجدية". ويتسق ذلك الموقف مع الرد الإيراني على عرض الوساطة المصري. 

واليوم الثلاثاء دعت مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوقيع عليه، إلى "خفض التصعيد في الشرق الأوسط"، رغم تأكيده رفض امتلاك إيران سلاحًا نوويًا، ودعم ما وُصِف بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

ومع نفي الولايات المتحدة المستمر مشاركتها في العمليات الهجومية على إيران، فإنها أشادت بها وبكيفية تنفيذها "بمعدات أمريكية عظيمة" حسبما عبَّر ترامب في بوست على منصته تروث سوشيال. ولم تخفِ واشنطن تعويلها على فرض شروط جديدة على إيران في المفاوضات وأن "يمهِّد العمل العسكري لاتفاق نووي طويل الأمد" حسب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.

الخليج لا يتبع صقوره

تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران، 13 يونيو 2025

 يذهب أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله إلى ما هو أبعد من العودة لمائدة المفاوضات، رغم قناعته الشخصية بصعوبة قضاء إسرائيل على البرنامج النووي الإيراني بحكم تشعبه الجغرافي وعدم تركزه في منشأة واحدة.

على عكس ما يذهب إليه  اللواء أحمد فاروق، يرى عبد الخالق الذي ترأس عدة دوريات بحثية خليجية أن الشرق الأوسط أمام لحظة تأسيسية فاصلة، ويضيف لـ المنصة "أعتقد أننا على مشارف مرحلة نهاية الهلال الشيعي ومحور المقاومة، أو الممانعة الإيراني ووقف تمدده الذي كان حديث الجميع خلال الـ20 سنة الماضية. ذلك كله أوشك على الانتهاء".

ويتابع أن "محور الاعتدال العربي أصبح في حالة جيدة جدًا الآن"، مستبعدًا أن يستعيد المحور الإيراني عافيته قريبًا "خاصة في ظل حالة الانتعاشة التي يعيشها محور الاعتدال بانضمام سوريا الجديدة ولبنان ما بعد إضعاف حزب الله".

يُقصد عادة بمحور الاعتدال دول مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن، التي أدانت جميعها منفردةً "العدوان الإسرائيلي على إيران" فور بدئه، ثم شاركت في إصدار بيان جماعي باسم 22 دولة عربية وإسلامية يؤكد على "رفض وإدانة الهجمات الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وألمح البيان إلى السلاح النووي الإسرائيلي دون الإشارة إليه، عبر تأكيده على "أهمية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وفق القرارات الدولية ذات الصلة ودون انتقائية، والتشديد على ضرورة سرعة انضمام كافة دول المنطقة إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية".

إضعاف الطرفين

يمكن القول إن المواجهة الحالية تمثل نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة. قبلها اتسمت الردود الإيرانية على اعتداءات إسرائيل بالطابع الشكلي لتثبيت معادلات التوازن. لكن اليوم، تضع إيران إسرائيل بالكامل في مدى صواريخها، ومن اليوم الأول، وكأنها تبدي استعدادًا هذه المرة للذهاب بعيدًا عمَّا توقعته إسرائيل، مستندة إلى غطاء دبلوماسي إقليمي داعم، حتى من خصومها على مناطق النفوذ.

يفضل اللواء أحمد فاروق التأني في تقدير الموقف، معتبرًا أنه من المبكر توقع شكل المنطقة بناء على الضربات التي يمكن وصفها بالتمهيدية.

ويوضح أن الأمر برمته سيتوقف على النتائج، ففي حال فشل الهجوم الإسرائيلي في تغيير الموازين، فإن القيادة الإيرانية قد تصل لقناعة بأن طريقتها الوحيدة لردع المزيد من الهجمات، هي الإسراع أكثر نحو امتلاك القدرة النووية، خاصة في ظل قادة جدد تبدو توجهاتهم وسماتهم الشخصية أكثر غموضا عن أسلافهم الذين سقطوا خلال الضربة الأولى.  

فيما ترى فاطمة الصمادي الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني بمركز الجزيرة للدراسات أنه لا يمكن تفادي المواجهة الواسعة في الإقليم إلا بأحد خيارين، أولهما ألا تعود إيران إلى صورتها السابقة، وإجبارها على معادلة جديدة لا تمثل فيها تهديدا للغرب، والثاني أن يتم إضعاف إسرائيل بشكل كبير.

وفيما تؤكد فاطمة الصمادي لـ المنصة أن إضعاف أحد الطرفين الذين لديهم أهداف توسعية في المنطقة، سيسهم في هدوء نسبي على المدى القريب، في ظل انشغال الطرف الآخر بلملمة شتاته وإعادة البناء الداخلي، يشير عبد الخالق عبد الله إلى أن دول الخليج لن تكون وحدها المستفيدة من إضعاف النظام الإيراني، فذلك كان مطلبًا لكل قوى المنطقة؛ إيران خلال الأربعين سنة الماضية كانت مصدرًا أساسيًّا لعدم الاستقرار بالمنطقة ابتداء من العراق مرورًا بسوريا ثم اليمن، كما كانت الخطر الأكبر على أمن الخليج وأمن الطاقة.