تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
مساعي الاحتلال لتنفيذ سيناريو التهجير يعوقها الرفض الفلسطيني والمقاومة المصرية والإقليمية

وطن بديل للفلسطينيين.. دفاع مصري متقدم لإفشال هجمات إسرائيل

منشور الثلاثاء 16 أيلول/سبتمبر 2025

مع اقتراب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من إتمام عامها الثاني، لا تلوحُ في الأفق بارقةُ أمل لتوقفٍ قريبٍ للقتال في ظل استمرار العمليات العسكرية واتساع رقعتها شمالًا وجنوبًا. وبينما يرزح أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والقصف والنزوح المتكرر، تمضي إسرائيل في محاولاتها فرض الأمر الواقع عبر إحياء مخطط قديم/جديد لتهجير سكان القطاع إلى دول أخرى.

تتجدد المخاوف مع التصريحات الإسرائيلية المتواترة بخصوص سينريو التهجير، من بين آخرها تعهد نتنياهو لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتهجير آلاف الفلسطينيين من غزة "خلال أسابيع"، إلى جانب إعلان الأخير عن خطته لإنشاء حي سكني مطل على البحر مخصص لرجال الشرطة في القطاع.

يأتي كل هذا في ظل التأييد الأمريكي وحديث الرئيس دونالد ترامب المتكرر والعلني عن إخلاء غزة ضمن خطط سكنية استثمارية كبرى هناك بعد الحرب، ما منح التصوّر الإسرائيلي دعمًا سياسيًا واقتصاديًا.

في مواجهة هذا السيناريو، تبذل مصر جهودًا دبلوماسيةً مكثّفةً لإفشال محاولات تمرير التهجير القسري للفلسطينيين، انطلاقًا من إدراكها لتداعياته الكارثية على الأمن القومي المصري وعلى القضية الفلسطينية برمّتها.

إصرار مصري على الرفض 

"مصر لن تقبل بتهجير السكان من غزة ولن تشارك فيه ولن تسمح به"؛ رسالة دأبت وزارة الخارجية المصرية على تكرارها في كل مناسبة، في ظل التحركات الإسرائيلية الأخيرة الرامية لاحتلال مدينة غزة، أكبر مدن القطاع، وتفريغها من سكانها بهدف دفع أكثر من مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع على الحدود المصرية.

التصعيد العسكري في مدينة غزة وزيادة حركة النزوح إلى جنوب القطاع ليسا كل ما يقلق مصر، فإسرائيل بدأت بالفعل قبل أشهر محادثات مدعومة من الإدارة الأمريكية مع عدة دول عربية وإفريقية لبحث إمكانية استقبال فلسطينيين من غزة ضمن خطة أوسع لتهجير السكان من القطاع، حسبما كشفت تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية.

تشير هذه التقارير إلى أن جنوب السودان وأرض الصومال وليبيا من الدول التي دخلت معها إسرائيل في مفاوضات لإقناعها بقبول توطين فلسطينيين من قطاع غزة على أراضيها مقابل امتيازات اقتصادية وسياسية، غير أن وزارة الخارجية المصرية قالت إنها أجرت اتصالات مع الدول التي يُشاع موافقتها على استقبال الفلسطينيين، وأفادت بعدم قبول تلك المخططات.

ورغم نفي بعض الدول وجود محادثات مع إسرائيل بشأن قبول استقبال فلسطينيين من غزة وإعلان أخرى رفض الانخراط في أي ترتيبات متعلقة بمستقبل القطاع، لا تزال المشاورات الإسرائيلية جارية، وإن كانت بشكل سري، أملًا في تحقيق اختراق وتهيئة الأرض لإبرام هذه الاتفاقيات مقابل إغراءات اقتصادية.

قطع الطريق أمام تل أبيب 

تسعى القاهرة من وراء الاتصالات بالعواصم التي يتردد اسمها وِجهاتٍ محتملة لاستقبال الفلسطينيين بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى إجهاض المساعي الإسرائيلية لطرد الغزيين، حسب مساعد وزير الخارجية الأسبق معصوم مرزوق.

"إقناع الدول برفض استقبال سكان غزة ليس مستحيلًا"، وفق تقدير مرزوق لـ المنصة، معولًا على مؤسسة الدبلوماسية المصرية العريقة بتمثيلها الواسع، فهي برأيه قادرة على إقناع هذه الدول بتبني مواقف أو رفض قرارات ليس بالضغوط بل بالتأثير وإغراءات التنمية وزيادة التعاون الاقتصادي، في مسعى لاستعادة القاهرة دورها الدبلوماسي أمام قوى تمتلك القدرات الاقتصادية والعسكرية مثل دول الخليج وإسرائيل. 

تبدو التحركات الدبلوماسية ضرورية من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية جمال سلامة، الذي يرى أن فتح قنوات اتصال مع الدول المرشحة لاستضافة الفلسطينيين من قطاع غزة نابع من استشعار القاهرة للخطر من التصعيد العسكري في قطاع غزة ومحاولة إجبار أبناء القطاع على النزوح إلى الحدود المصرية، أو توفير ملاذات لهم في بلدان إفريقية أو آسيوية مقابل مكاسب اقتصادية قد تقدمها تل أبيب وواشنطن لهذه الدول، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية تهدفُ إلى قطع السبل أمام إسرائيل لمنع حدوث هذا السيناريو.

جانب من مظاهرات لندن للتنديد بمخططات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، 15 فبراير 2025

"قضية التهجير خط أحمر بالنسبة لمصر، لذا تؤكد يوميًا على أن نجاح مخطط التهجير معناه تصفية القضية الفلسطينية، حيث لن يكون للفلسطيني أي فرصة في استعادة أرضه مرة أخرى وسيكون أشبه بنكبة 1948 حينما احتلت إسرائيل الأراضي وصادرت البيوت وشردت الفلسطينيين في مخيمات بين لبنان وسوريا، يضيف سلامة لـ المنصة

حرب التسريبات تحاصر ليبيا

دخلت ليبيا قائمة الدول المحتملة لاستقبال أعداد من الفلسطينيين المهجرين من قطاع غزة، حيث أشارت تقارير أمريكية إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تدرس خطة لنقل ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا بشكل دائم.

تكررت في الأشهر الماضية هذه التسريبات بأكثر من طريقة، إلا أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس عاصمة لها، نفى وجود نية للتطبيع مع إسرائيل أو القبول بصفقة لتوطين الفلسطينيين، كما نفى الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر ما تردد عن وجود اتفاق غير معلن يقضي باستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين ومنحهم الجنسية الليبية مقابل امتيازات سياسية أو اقتصادية.

أمام هذا النفي، ما زالت التقارير تخرج عن مفاوضات سرية يقودها إبراهيم الدبيبة مستشار الأمن القومي لرئيس حكومة الوحدة، لبحث اقتراح توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين في بلاده.

ليبيا تاريخيًا داعمة للقضية والشارع الليبي يرفض أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل

تبدو هذه السرية متعمدة بالنسبة للمحلل السياسي الليبي خالد الحجازي نظرًا للمواقف الليبية التاريخية الداعمة للحق الفلسطيني، ورفض الشارع الليبي أي محاولة تطبيع للعلاقات مع إسرائيل تجنبًا لانفجار غضب شعبي مثلما حدث عام 2023، حين تسرب خبرُ لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بوزير الخارجية الإسرائيلي، فاندلعت مظاهرات حاشدة وانتهى الأمر بإقالتها.

يشير الحجازي في حديثه مع المنصة إلى أن المكتسبات التي تغري بها إسرائيل حكومة الدبيبة تتمثل في الإفراج عن أموال ليبية مجمّدة في الخارج تقدر بنحو 30 مليار دولار، وهي ورقة ضغط تستخدمها الولايات المتحدة لتشجيع حكومة الدبيبة على المُضيّ قدمًا في هذه التفاهمات، إلا أن الأخيرة تخشى توظيف الخصوم السياسيين لهذه الاتصالات للتحريض ضدها، بالأخص في ظل الانقسام الليبي بين شرق وغرب البلاد.

لا يمكن فهم هذه المفاوضات بمعزل عن الدور الأمريكي الذي يمسك بالخيوط في الكواليس، حيث تضغط واشنطن على الحكومات العربية الهشة أو المنقسمة لإيجاد حلول إقليمية لملف غزة، بما في ذلك إعادة التوطين أو فتح ممرات آمنة، وفق الحجازي.

يندرج التحرك الأمريكي ضمن استراتيجية أوسع تهدف لدمج إسرائيل تدريجيًا في المنطقة حتى مع دول لم تُطبّع رسميًا، لذا تبدو واشنطن هي الطرف الذي يربط بين مصالح إسرائيل الأمنية، وحاجة حكومة الدبيبة للموارد المالية، ورغبتها في إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية. لكن التحدي الأكبر يبقى في المزاج الشعبي الليبي الذي قد ينسف أي تفاهم بمجرد تسريبه.

لذا يقلل الحجازي من احتمالات نجاح المفاوضات، حيث لا يملك الدبيبة شرعية كاملة تخوله اتخاذ قرارات مصيرية دون توافق مع البرلمان أو القوى الأخرى، كما أن الضغوط الخارجية التي توفر الحافز المالي لا تضمن السيطرة على ردود الفعل داخل ليبيا.

جنوب السودان... الباب مفتوح

تدرج إسرائيل جنوب السودان ضمن الدول المحتملة لقبول توطين الفلسطينيين بحكم العلاقات المشتركة مع البلد الذي تمزقه الحروب الأهلية ويشهد توترًا بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار. 

في منتصف أغسطس/آب الماضي، نشرت وكالة رويترز تقريرًا عن محادثات تجريها تل أبيب مع جوبا لبحث إقامة مخيمات للفلسطينيين هناك، وبينما لم تؤكد مصادر رويترز التوصل لاتفاق حتى الآن، أفادت صحيفة تليجراف البريطانية بأن حكومة جنوب السودان وافقت على الطلب الإسرائيلي مقابل رفع الولايات المتحدة العقوبات عن جنوب السودان، وضخ إسرائيل استثمارات في قطاعي الصحة والتعليم.

إلا أن هذه المحاولات الإسرائيلية الدؤوبة لإقناع جنوب السودان بقبول توطين الفلسطينيين اصطدمت بتحركات مصرية عكسية، إذ نقلت أسوشيتد برس عن مصادر مصرية أن القاهرة على علم منذ أشهر بجهود إسرائيل لإيجاد دولة تستقبل الفلسطينيين، بما في ذلك اتصالاتها مع جنوب السودان، مشيرة إلى أن مصر تمارس ضغوطًا على جوبا لمنع استقبال الغزيين المهجرين.

في المقابل حظي التحرك المصري في جنوب السودان باهتمام في الإعلام العبري، إذ نقلت إذاعة EMESS الإسرائيلية في تقرير لها أنه في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لنقل السكان من غزة إلى دولة أخرى تعمل مصر على إقناع جنوب السودان برفض العرض.

خارجية جنوب السودان نفت أي مناقشات مع إسرائيل

في ظل هذه التحركات والتحركات المضادة، نفت وزارة الخارجية في جنوب السودان التقارير التي تتحدث عن وجود مناقشات مع إسرائيل بشأن نقل سكان غزة من القطاع إلى جوبا، وهو ما يفسره الناشط المعارض محمود أكوت، المتحدث الرسمي السابق باسم الحركة الوطنية الديمقراطية، بأنه محاولةٌ من حكومة سلفاكير لمنع الاحتقان السياسي الداخلي رغم وجود اتصالات سرية وزيارات من مسؤولين إسرائيليين لبلاده.

"الحكومة موافقة ضمنيًا على استقبال سكان غزة، ولكن كيف لها إقناع الشعب والمعارضة بقبول الفكرة، غالبية شعب جنوب السودان لديه تحفظات على العرب والمسلمين، كذلك غالبية أحزاب المعارضة، وهي اعتراضات نابعة من الخوف من التمدد الإسلامي ونشر الثقافة العربية في جنوب السودان"، يقول أكوت لـ المنصة معبرًا عن الغضب الشعبي المحتمل أن يقف عائقًا أمام قبول حكومة جوبا بصفقة مع إسرائيل.

أرض الصومال.. محطة غامضة

أما الدولة الثالثة التي ارتبط اسمها بمحادثات تهجير الفلسطينيين خارج غزة فهي أرض الصومال "صوماليلاند"، الإقليم الذي لم يحصل بعد على الاعتراف الدولي بانفصاله عن الحكم الفيدرالي في الصومال.

منذ طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته المثيرة للجدل بشأن رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى مجتمع سياحي ومنطقة استثمارات ضمن ما عرف إعلاميًا بخطة "ريفيرا الشرق الأوسط"، يتردد اسم أرض الصومال ضمن الأماكن المحتملة لنقل الفلسطينيين إليها، كما روج الإعلام الإسرائيلي لحصول تل أبيب على موافقة من حكومة هرجيسا بشأن استقبال الغزيين مقابل اعتراف إسرائيل رسميًا بها كدولة مستقلة.

غير أن رئيس أرض الصومال عبد الرحمن عرو نفى أن تكون بلاده منخرطةً في محادثات تتعلق بترتيبات القطاع الفلسطيني بعد الحرب، مؤكدًا رفض بلاده للتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم.

"لا يمكن لحكومة صوماليلاند الدخول في اتفاق له تأثير على استقرارها الداخلي بتغيير ديموغرافي في مجتمع قبلي، وكذلك التوجه الشعبي القوي المناصر للقضية الفلسطينية في بلاده قد يؤدي للإطاحة بالحكومة المنتخبة" هذا ما يذهب إليه مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث محمود عبدي، معتبرًا أنه من غير المنطقي أن تغامر الحكومة الحالية بزعزعة استقرارها لقاء اعتراف دولي أو مكاسب اقتصادية ستأتي بعد تنفيذ ما قد يتسبب في انهيارها.

لم تُعلن تل أبيب رسميًا اعترافها بأرض الصومال

يعزو الباحث محمود عبدي لـ المنصة ارتباط اسم هرجيسا بمفاوضات توطين الفلسطينيين إلى ذيوع تقارير تتحدث عن علاقات قديمة تربط أرض الصومال بإسرائيل، وهو ما تنفيه الحكومات المتعاقبة في أرض الصومال منذ أوائل التسعينيات، كما أن تل أبيب لم تعلن رسميًا اعترافها بأرض الصومال.

يستبعد عبدي كذلك وجود اتصالات بين مصر وصوماليلاند متعلقة بجهود القاهرة لقطع الطريق أمام إسرائيل لتوفير ملاذات جديدة للفلسطينيين، خصوصًا في ظل عدم اعتراف مصر بالأقاليم الانفصالية المنشقة عن الحكم الفيدرالي في الصومال مثل صوماليلاند وبونتلاند. كانت مصر طلبت من مواطنيها خلال العام الماضي عدم السفر إلى إقليم أرض الصومال في ظل عدم الاستقرار الأمني في الإقليم، وذلك بعد إغلاق حكومته الانفصالية المكتبة المصرية ومطالبة موظفيها بمغادرة البلاد.

"العلاقات بين مصر وأرض الصومال شبه رسمية ولا مؤشرات حالية على تغير هذا الوضع، لذا نستبعد وجود اتصالات بين الحكومة في هرجيسا والدولة المصرية بخصوص أزمة سكان غزة"، يؤكد عبدي.

لا يتوقف السعي الإسرائيلي بدعم أمريكي، لاستغلال حاجة بعض الحكومات الإقليمية للتمويل وللدعم السياسي لتحقيق سيناريو التهجير، عبر الإغراءات الاقتصادية والضغوط السياسية للتغلب على المصاعب الديموغرافية والإثنية والشعبية التي تعترض طريقها، في المقابل تصر الدبلوماسية المصرية الخبيرة بمنطقتها على تفعيل جميع الكوابح الممكنة في مواجهة المساعي الإسرائيلية.