تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
بيان السيسي اضطر الجميع لإعادة الحسابات والهيئة الوطنية للانتخابات أبطلت عددًا من الدوائر

انتخابات 2025.. ماذا بعد زلزال الرئيس؟

منشور الأربعاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

منذ بدء الإعداد لانتخابات برلمان 2025 عبر هندسة قوائمها ومرشحيها، والكل يعلم أنها ستختلف بشكل ما عن سابقتها، ولن تمرَّ في هدوء تام. الأسباب مختلفة، بينها محدودية المنافسة التي أشعلها مستقلون خارجون عن حزب مستقبل وطن في عدد من الدوائر، أو محاولات المعارضة انتزاع مقعد في دائرة أخلتها أحزاب الموالاة لتنافس المعارضة المستقلين، في محاولة لإظهار طابع ديمقراطي نزيه للانتخابات.

ورغم المخالفات التي شابت انتخابات المرحلة الأولى وتشبيهها بانتخابات 2010 وبرلمان "خليهم يتسلوا" الذي مهد لثورة يناير، لم يتوقع أحدٌ تدخل رئيس الجمهورية، وما تبعه من إعلان المستشار حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتائج 19 دائرة انتخابية من بين 70 شكلت دوائر المرحلة الأولى.

هذا الحدث غير المسبوق زلزل الانتخابات وفتح الباب أمام عشرات التساؤلات بشأن انتخابات من المفترض أن معظم نتائجها حسمت قبل أن تبدأ، خصوصًا ونحن على أبواب المرحلة الثانية منها الأسبوع المقبل.

مشاهد انتخابية

بدأ اليوم الانتخابي الأول بقنبلة انسحاب نشوى الديب، المرشحة المستقلة في إمبابة التي تمثل الدائرة منذ عشر سنوات في مجلس النواب.

وقفت نشوى بعد دقائق قليلة من فتح باب التصويت في أحد شوارع إمبابة تخاطب الجماهير وتعلن انسحابها من انتخابات اعتبرتها غير نزيهة ولا تتوفر فيها مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص.

وفي حوارٍ مصور بعد الانسحاب كشفت عن تواصلها قبل أيام من بدء الاقتراع مع عدد من المؤسسات والمسؤولين تناشدهم وقف التدخلات والانحيازات التي تتبناها بعض الجهات لصالح مرشح معين وترك القرار للصناديق وتصويت المواطنين الحر، لكن مؤشرات الدقائق الأولى للتصويت وما قبلها كانت كافية لتتخذ النائبة السابقة الداعمة للرئيس عبد الفتاح السيسي قرار الانسحاب.

أعلنت وزارة الداخلية القبض على بعض من وصفتهم بالمحرضين

على مدار يومين رصدت غرف عمليات الأحزاب المحسوبة على المعارضة عددًا من المخالفات سواء ما يجري في محيط اللجان من توجيه ناخبين وشراء أصوات، أو في الفرز ومنع المندوبين من حضوره وعدم تسليم مندوبي المرشحين نسخًا رسميةً من حصر الأصوات في اللجان الفرعية.

انتهت تلك المشاهد بمقاطع فيديو على السوشيال ميديا وهتافات زوروها.. زوروها وواحد اتنين أصواتنا راحت فين لتكشف حالة غضب من نتائج الحصر العددي للانتخابات في عدد من المحافظات وخاصة في الصعيد، وخرجت مظاهرات في عدد من المناطق ضد النتائج التي أعلنتها اللجان العامة في بعض الدوائر، وأعلنت وزارة الداخلية القبض على بعض من وصفتهم بالمحرضين، واعتبرت بعض مقاطع الفيديو التي توثق خروقات مولدة بالذكاء الاصطناعي.

ورغم الهندسة الواضحة لهذه الانتخابات وحساباتها الدقيقة، لم تخرج أحزاب الموالاة بمكاسب كاملة في الجولة الأولى من المرحلة الأولى، فخسر حزب الجبهة مقعدي دائرتي أرمنت وإسنا في محافظة الأقصر، وأظهر الحصر العددي في بعض دوائر سوهاج فقدان حزب حماة الوطن أربعة مقاعد، وهو ما أربك حسابات تحالف الموالاة.

وفي هذا السياق، توقع مصدر من حملة أحد مرشحي حزب الجبهة عدم التزام حزب مستقبل وطن بالاتفاق المشترك بين أحزاب الموالاة، والعمل في الخفاء لصالح بعض المستقلين المقربين من مستقبل وطن.

زلزال الرئيس

جاء تدخل السيسي قبل يوم من إعلان نتيجة المرحلة الأولى مفاجئًا للجميع.

جاء تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل يوم واحد من الإعلان الرسمي لنتائج المرحلة الأولى مفاجئًا للجميع، إذ طالب الهيئة بالتدقيق التام عند فحص هذه الأحداث والطعون المقدمة بشأنها، وأن تتخذ القرارات التي تُرضي الله وتكشف بكل أمانة عن إرادة الناخبين الحقيقية، وأن تُعلي الهيئة من شفافية الإجراءات من خلال التيقن من حصول مندوب كل مرشح على صورة من كشف حصر الأصوات من اللجنة الفرعية، حتى يأتي أعضاء مجلس النواب ممثلين فعليين عن شعب مصر تحت قبة البرلمان.

دعا السيسي الهيئة الوطنية للانتخابات ألا تتردد في اتخاذ القرار الصحيح عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية سواء بالإلغاء الكامل لهذه المرحلة من الانتخابات، أو إلغائها جزئيًا في دائرة أو أكثر من دائرة إنتخابية، على أن تجرى الانتخابات الخاصة بها لاحقًا.

حتى الآن تنظر محكمة النقض طعون على نتائج انتخابات 2020

في اليوم التالي أعلنت الهيئة بطلان الانتخابات وإلغاءها في 19 دائرة، في قرارات مزلزلة لهذه الانتخابات المهندسة ومستقبل القائمين على هندستها، حتى إن بدوا مرحبين بها وتسابقوا على الاحتفاء بحكمة الرئيس وقرارات ونزاهة الهيئة.

مع الزلزال تتراجع القدرة على الوصول لمعلومات موثقة بشأن أسبابه الحقيقية، فهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الانتخابات تجاوزات تبدأ من التضييق على الترشح وتنتهي في الفرز، ولا تزال في محكمة النقض طعون على نتائج انتخابات مجلس النواب 2020 لم يبت فيها حتى الآن، كما أن انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس/آب الماضي شهدت مخالفات وانتهاكات، لكنها لم تؤدِ لتغيير نتائجها أو إبطالها.

ورغم ضيق مسار المعلومات خاصة في هذه المساحة الحساسة التي ترتبط بالرئاسة مباشرة، وقيادات الأجهزة الأمنية الرئيسية، يتردد في الكواليس السياسية والبرلمانية أن أحد الأجهزة الأمنية قدم تقريرًا للرئيس بشأن الانتخابات حذر فيه من المخالفات والغضب الشعبي الذي قد يعيد ذكرى انتخابات 2010، فاستدعى الأمر تدخلًا رئاسيًّا تحاول من خلاله السلطة امتصاص الغضب، ويضع فيه الرئيس حدًا لبعض التدخلات الفجة، ويحصل في الوقت نفسه على تأييد شعبي لصالحه.

نظرة على الدوائر الملغاة

دائرة إمبابة هي الوحيدة التي ألغيت في محافظة الجيزة، رغم أن نتائج الحصر العددي الصادر عن اللجنة العامة كشفت الإعادة بين أربعة مرشحين في مقدمتهم وليد المليجي مرشح مستقبل وطن، وإيهاب الخولي مرشح حزب المحافظين، والمرشحين المستقلين أحمد العجوز وأحمد عبد القادر.

وحصلت نشوى الديب التي قررت الانسحاب السياسي صبيحة يوم الانتخابات على نحو 13 ألف صوت، فيما ظهرت النائبة السابقة عن الدائرة والمرشحة شادية ثابت تستنجد بالرئيس عبد الفتاح السيسي وتتساءل أصواتي راحت فين.

أما الدائرة الثانية في الإسكندرية ومقرها الرمل، فقررت الهيئة إلغاء نتائجها رغم أن مؤشرات الحصر العددي كانت تتجه إلى إعادة على مقاعد الدائرة الثلاثة بين ستة مرشحين من بينهم مرشحو تحالف الموالاة من مستقبل وطن وحماة الوطن.

رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المستشار حازم بدوي، 17 نوفمبر 2025

بينما جاء القرار بإلغاء جميع دوائر محافظة قنا التي يتصدر مرشحيها تحالف الموالاة وعدد من المستقلين مع بعض مرشحي المعارضة من حزب العدل والمحافظين والوفد.

وشهدت محافظة سوهاج إلغاء سبع دوائر، بينها دائرة المراغة المخصص لها مقعد وحيد رشح له تحالف الموالاة من حزب حماة الوطن العمدة هاشم الذي ينافس عشرة مستقلين من بينهم رفعت شكيب، عضو المجلس الحالي عن حزب مستقبل وطن الذي قرر الترشح مستقلًا بعدما استبعده الحزب من الترشيحات، وفي نهاية اليوم الثاني من الانتخابات، أعلن شكيب انسحابه لعدم قدرته على مواجهة المال السياسي.

وتشهد دوائر سوهاج الست الأخرى منافسة بين أحزاب تحالف الموالاة مستقبل وطن والجبهة الوطنية وحماة الوطن من جهة، وعدد من المستقلين وبعض مرشحي حزب العدل.

وألغت الهيئة الانتخابات في عدد من دوائر البحيرة من بينها دائرة دمنهور التي كشفت مؤشرات الحصر العددي للجنة العامة فوز النائبة سناء برغش عن حزب مستقبل وطن بأعلى الأصوات.

أين نتجه؟

مخطئ من يتوقع التقدم نحو انتخابات حرة نزيهة بالمعنى الكامل، ويرفع درجات تفاؤله بالمرحلة الثانية التي تتضمن القاهرة وشرق ووسط الدلتا، فالقوانين المعيبة المنظمة للانتخابات ما زالت قائمة؛ سواء النظام الانتخابي الذي يتيح التخطيط والهندسة الدقيقة لبرلمان مناسب للحكومة، أو تقسيم الدوائر الواسعة الذي يعزز فرص أصحاب المال ورجال الأعمال.

كما أن الهيئة الوطنية ذاتها لم تعلن في المؤتمر الصحفي أي قواعد تحول دون تكرار المخالفات التي شهدتها المرحلة الأولى خاصة شراء الأصوات وشحن المواطنين للتصويت لصالح مرشحين بعينهم وتوجيه الناخبين أمام اللجان، ولم تكشف عن عقوبات على الخروقات التي رصدتها وآليات المحاسبة للمسؤولين عنها.

رغم ذلك، ربما يظهر بعض التحسن الشكلي في المرحلة الثانية، مثل تنظيم عملية التصويت بشكل أفضل، وحرص أكبر لسماسرة شراء الأصوات والمرشحين على عدم التصوير والابتعاد عن محيط اللجان، بخلاف تمكين مندوبي المرشحين من حضور الفرز والحصول على محاضر الفرز من اللجان الفرعية.

وقد تكون مساحات التدخل لصالح مرشحين بعينهم أقل فجاجة، خاصة بعد التدخل الرئاسي الذي قد يمنح هذه الانتخابات قبلة حياة ويشجع العازفين عن المشاركة على النزول والتصويت.