تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
الوظائف التشريعية والرقابية للبرلمان غابت عن الدعاية الانتخابية

الخدمات تطيح بالبرامج.. انتخابات برلمانية بنكهة "المحليات"

منشور الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025

"لا إحنا مش هنتكلم في الأسعار لأن ديه أسعار دولة مش في إيدينا إحنا"؛ هكذا ردت المرشحة عن دائرة حلوان شيماء عبد الهادي على سؤال طرحته عليها ناخبة في جولة انتخابية، عن دورها المحتمل في تخفيض أسعار السلع.

لم يحدث هذا الحوار في إطار حملة لانتخابات المجلس المحلي في حلوان، بل ضمن جولة دعائية لانتخابات مجلس النواب، الذي ترى المرشحة المستقلة لعضويته أن دوره لن يتعدّى تطوير المدارس وتقديم خدمات صحية، والمساهمة في تقليل معدلات البطالة. أما كبح جماح أسعار السلع والحد من زيادات فواتير الكهرباء وضبط سوق الإيجارات، فهي قضايا كبرى تختص بها "الدولة" لا مجلس النواب، وفق رأي المرشحة التي قدمت نفسها باعتبارها صاحبةَ حلول لتحسين جودة حياة سكان دائرتها.

مرشحون آخرون اتخذوا نفس المنحى مثل النائب السابق إلهامي عجينة، مرشح حزب حماة وطن بمحافظة الدقهلية، الذي أشار في مؤتمر انتخابي إلى أن المواطنين لا يتوقعون من النواب المساهمة في تحسين حال التعليم أو تقديم خدمات طبية أفضل بالمستشفيات الحكومية حال نجاحهم في الانتخابات.

نائب الخدمات يتقدم

طابور مصطنع أمام لجنة مدرسة خديجة بنت خويلد في إمبابة، 10 نوفمبر 2025

تكشف هاتان الواقعتان جانبًا من شكل الدعاية الانتخابية، والفلك الذي تدور فيه الانتخابات على المقاعد الفردية، حيث تغيب وعود الإصلاح التشريعية إلى حدٍ كبير عن خطاب المرشحين من المستقلين والحزبيين المحسوبين على السلطة بالضرورة، على حساب الخطاب الخدمي وبعضه دون وعود حقيقية. فيما بقيت المؤتمرات الصحفية التي عقدتها الأحزاب المتنافسة لإعلان برامجها الانتخابية في خلفية المشهد، ما عزاه مراقبون إلى خلو الانتخابات من التنافسية، واعتماد المستقلين على المردود الخدمي في المقام الأول.

وإلى جانب غياب المنافسة بمعناها السياسي والحزبي، بقي هذا الخطاب الخدمي في الجانب الآمن بعيدًا عن أي نقد أو هجوم على سياسات الحكومة، متفاديًا ما قد يترتب عليه من مساءلة قانونية أو مخاطر أمنية.

وتسيطر أحزاب الموالاة على القائمة الوطنية من أجل مصر التي حسمت بالفعل نصف مقاعد البرلمان، بعد استبعاد جميع القوائم الأخرى من المنافسة في الانتخابات التي أجريت مرحلتها الأولى في 14 محافظة مطلع هذا الشهر وتعقد المرحلة الثانية منها يومي 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني ببقية محافظات الجمهورية.

وبينما ينتظر الشارع من يتصدى للحكومة لتخفيف وطأة الغلاء، يواجه البرلمان انتقادات باعتباره جسرًا تمر عليه القوانين والمقترحات الحكومية ليس إلا، استنادًا إلى أداء المجلس في آخر دورتين.

برامج على الورق

من المفترض أن تُمثل البرامج الانتخابية حجر الزاوية في الدعاية، وأعلنت الأحزاب الرئيسية في "القائمة الوطنية من أجل مصر" بالفعل برامجها الانتخابية التي ركزت على محاور عامة منها التشريعي والاقتصادي، من بينها ما أشار إليه الأمين العام لحزب مستقبل وطن النائب أحمد عبد الجواد وهو يتحدث عن حلول عملية للتحديات الاقتصادية، بما فيها البنود المتعلقة بالصحة والتعليم والبنية التحتية.

كما ركزت برامج بعض هذه الأحزاب على ملفات الأمن القومي والأمن الداخلى وأمن المجتمع في إطار حماية الوطن، واستفاضت أحزاب أخرى في شرح جوهر برنامجها بعرض التشريعات المقترحة لتطوير قطاعات الصناعة والصحة والتعليم.

لكن هذه البرامج لم تجد طريقها إلى الناخبين في حملات المرشحين في الشوارع. الناخبة الخمسينية شهيرة جمعة تصطدم يوميًا بعشرات اللافتات المتناثرة لمرشحين كثر في محيط منزلها بالبساتين، جنوب القاهرة، ولا تميز الانتماءات الحزبية لأيّهم، ولم تطالع أيًا من برامجهم، وأقصى ما عرفته عن الصراع الانتخابي في دائرتها هو "المنافسة بين المرشحين بتوع الأحزاب" وفق ما أخبرت المنصة.

انتخابات مجلس النواب المصري بدائرة بولاق الدكرور، 10 نوفمبر 2025

وبينما تجوب الشارع عربات مكشوفة تحمل صور مرشحي الدائرة وتصدح بأسمائهم مع دعوات لانتخاب "ابن الدائرة رجل الخدمات"، تضيف شهيرة جمعة "المرشحين دول محدش يعرفهم إلا الناس بتوعهم حتى الناس القديمة منهم اللي بيترشحوا من أيام مبارك زي حشمت أبو حجر  بيظهروا في المواسم بتاعتهم".

أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق يفسر لـ المنصة تراجع نسب المشاركة بفتور الحياة السياسية وتردي الأوضاع الاقتصادية وعدم الثقة في قدرة المرشحين على تغيير حياة الناخبين للأفضل، قائلًا إن "المشهد الانتخابي في 2025 يعبر عما آلت إليه الأوضاع السياسية في السنوات العشر الماضية حيث تسيطر أحزاب الموالاة على الأغلبية، بأجندة دعم توجهات الرئيس والحكومة فقط، والمواطن يجد أمامه في موسم الانتخابات لافتات لأشخاص يرتدون البدل والكرافتات بلا كاريزما أو برامج تمس احتياجاتهم".

الأجندة التشريعية لأحزاب المعارضة لم ترَ النور في البرلمانيَن السابقين

ويرى صادق أن البرامج الانتخابية المعلنة لا تعكس اتجاهات عمل أحزاب الموالاة تحت القبة، مستدلًا بأداء المجلسين السابقين من التأييد المطلق للتشريعات المقدمة من الحكومة، بما فيها قوانين مثيرة للجدل مثل قانوني الإجراءات الجنائية والإيجار القديم، وكذلك إخفاق النواب في استخدام أدواتهم الرقابية لمحاسبة الوزراء والحكومة، ما انعكس على عزوف الجماهير عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الجارية.

ورغم أن الأجندة التشريعية لأحزاب المعارضة تضمنت العديد من مشروعات القوانين من بينها تلك التي لم ترَ النور في البرلمانين الماضيين؛ فإن خطابها بقي الأكثر خفوتًا في الانتخابات، ولم يجد له أثرًا على أرض الواقع، لحساب الخدمات التي يستطيع النائب توفيرها لأهل دائرته.

محاولات محدودة

لتفسير خفوت صوت المعارضة، يتحدث محمد أبو الديار القيادي بحزب تيار الأمل تحت التأسيس لـ المنصة عن العراقيل التي واجهها مرشحو المعارضة على المقاعد الفردية في التواصل مع الجماهير، من خلال تنظيم مسيرات انتخابية تُعرِّف الجمهور بهم في دوائرهم في حين اكتفت أجهزة الأمن بالسماح بتنظيم المؤتمرات فقط.

وتابع أبو الديار أن الانتخابات خرجت بالشكل الذي أراده النظام بداية بالإصرار على نظام القائمة المغلقة الذي قضى على التنافسية لصالح أحزاب مقربة من السلطة ومنع أحزاب المعارضة من التمثيل الحقيقي في البرلمان، وصولًا لاستبعاد نواب سابقين مؤثرين من السباق الانتخابي، انتهاء إلى سيطرة مظاهر المال السياسي على العملية الانتخابية.

أما المرشح عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي أحمد عبد ربه في دائرة طنطا، فيعتبر أن "البرنامج الانتخابي لوحده لا يكفي"، مؤكدًا لـ المنصة أن المعارك الانتخابية لا تحسمها البرامج الانتخابية بِقَدْر قُدرة المرشح على ربط خطابه بالقضايا الأساسية التي تمس الناخبين مثل المعاشات والتأمين الصحي، ومحاولة استمالة الشباب في دائرته إلى صفوفه.

 

إلا أن حليم حنيش، الباحث بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، يرى أن المعارك الانتخابية التي يخوضها مستقلون على المقاعد الفردية تشي بأن المعارضة كان بإمكانها تقديم نفسها في الانتخابات البرلمانية الحالية إذا نجحت في تنظيم نفسها وتوفير الدعم اللوجيستي للمرشحين وأتيحت لها فرصة العمل السياسي بهدف طرح برامجها وصياغة بدائل للسلطة.