تصميم: أحمد بلال
الإمارات وقطر يهيمنان على صفقات الأراضي الكبرى في مصر

من رأس الحكمة إلى علم الروم.. مخاطر خدمة الديون ببيع الأراضي

منشور الخميس 11 كانون الأول/ديسمبر 2025

رغم كونه غيرَ مختصٍ بقطاعات الإسكان والاستثمار والسياحة، كان الحضور القوي لوزير المالية أحمد كجوك في مشهد توقيع صفقة تخصيص منطقة علم الروم في الساحل الشمالي لشركة الديار القطرية، الشهر الماضي، لافتًا، حتى أن قناة العربية وصفته بأنه الشخص "الأكثر سعادة" بإتمام هذه الصفقة.

الفضائية السعودية أرجعت سعادة الوزير إلى أن إتمام هذه الصفقة من الأساس كان مدفوعًا بالرغبة في جمع إيرادات تساعد على خفض الدين العام.

وأصبحت صفقات الأراضي الكبرى سياسةً متكررةً بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في سبتمبر/أيلول الماضي عن خمس مناطق يمكن تنميتها على غرار صفقة رأس الحكمة التي وقعتها الحكومة العام الماضي مع الإمارات.

تصريحات كوجك بعد توقيع صفقة علم الروم تتسق مع هذه التوجهات وتؤكد على أن الحكومة تتبنى بشكل واضح طرح هذه المشروعات حلولًا لمواجهة تضخم الدين العام، الذي باتت الفوائد المدفوعة عليه تتجاوز قيمة إيرادات الموازنة العامة.

كرر كجوك في عدة تصريحات قوله إن الجزء الأكبر من نصيب وزارته من الصفقة سيوجّهه لخفض الدين العام، وهو ما يراه خبراء نهجًا في مواجهة الديون لا يمكن أن يكون حلًا مستدامًا رغم أهمية الصفقة القطرية بسبب توقيتها في مواجهة تحديات الديون التي تراكمت على مصر خلال السنوات الأخيرة.

كما ينوه الخبراء بأن صغر حجم صفقة علم الروم مقارنة بصفقة رأس الحكمة قد يكون مؤشرًا على صعوبة تكرار التجربة الإماراتية، وينذر أيضًا بمخاطر الاعتماد على سياسة بيع الأراضي لخفض الديون.  

تحديات مستقبلية

رغم الانتقادات المتكررة لسياسة بيع الأراضي للأجانب، وقعت مصر منذ 2024 ثلاث صفقات كبرى لتطوير الأراضي على السواحل المصرية، جاءت في مقدمتها رأس الحكمة ثم علم الروم، والثالثة أعلنت عنها شركة إعمار الإماراتية ورجل الأعمال السعودي حسن الشربتلي في البحر الأحمر باستثمارات 18.5 مليار دولار.

تفسر المحللة المالية إسراء أحمد توالي هذه الصفقات بأنه أحد الحلول المتاحة لمواجهة ضغوط النقد الأجنبي الحالية "حيث نعاني من عجز تجاري سلعي مزمن وكبير تجاوز الخمسين مليار دولار في السنة المالية 2024-2025"، بينما يحذر محمد فؤاد الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الاقتصاد الكلي بمجلس الوزراء من أن هذه الصفقات تخلق تحديات مستقبلية.

وتضخّم العجز التجاري بشكل لافت رغم استقرار سعر الصرف منذ إبرام صفقة رأس الحكمة، لأسباب على رأسها استيراد الغاز المسال لمنع تكرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

وتوضّح إسراء أحمد لـ المنصة أن "مصر لديها جدول مزدحم بالالتزامات الدولارية المتعلق بسداد القروض، يبلغ حوالي 44 مليار دولار خلال 2026 لسداد الأقساط فقط"، مشيرة إلى أن تلك الأعباء تفرض على الحكومة البحث عن صفقات استثمارية بقيمة مرتفعة بشكل استثنائي، وهو ما تحقق في نموذج بيع الأراضي الساحلية للخليج.

ويقر فؤاد بأن صفقات بيع الأصول ومنح حق الانتفاع تسهم في توفير السيولة الدولارية، لكنه يحذر من أنها "تستهلك القطع المميزة من الأصول القابلة للبيع، وهو ما يمثل تحديًا مستقبليًا أمام توليد الموارد عبر هذا المسار"، كما يقول لـ المنصة.

بالمقابل يشير الخبير المصرفي أحمد مجدي منصور إلى أن لهذه الصفقات أثرًا إيجابيًّا على الاقتصاد، إذ تساعد على تخفيف ضغوط الديون.

يذهب منصور في حديثه لـ المنصة إلى أن جذب استثمارات مباشرة بهذا الحجم يعكس بيئة أعمال أكثر أمانًا وتوقعات متفائلة بشأن العائد على الاستثمار، ما يساهم في خفض تقديرات المخاطر السيادية وتحسين صورة الدولة لدى المؤسسات المالية العالمية، بالتالي تدعم قدرة الدولة على سداد التزاماتها المستقبلية.

وساهم ارتفاع تقدير  مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية لمخاطر الاقتصاد المصري خلال الأعوام الأخيرة في زيادة قيمة الفوائد المدفوعة على ديونها الخارجية. وحسب بيانات البنك الدولي، تضاعفت قيمة فوائد الدين الخارجي طويل الأجل منذ 2021 لتبلغ في 2024 نحو 6.7 مليار دولار.

الأخت الصغرى

استنادًا إلى حسابات إسراء أحمد المبنية على مساحة الأرض في كلا المشروعين، يبلغ سعر المتر المربع في صفقة علم الروم نحو 170 دولارًا، مقابل نحو 140 دولارًا في رأس الحكمة.

يعكس السعر الأعلى لأرض علم الروم أداءً حكوميًا أفضل في الضغط على الجهة المستثمرة خلال مسار تفاوضي وصفه رئيس الوزراء عند إعلانه الصفقة بـ"المرير والكبير". وهنا تُذكِّر إسراء بأن مفاوضات رأس الحكمة جرت في وقت كانت مصر فيه تمر بأزمة شديدة في تدبير النقد الأجنبي، ما جعلها مضطرة لأسعار لم تعُد تقبل بها في مفاوضات علم الروم خلال هذه الفترة التي تتمتع فيها باستقرار سعر الصرف.

لكنَّ عائدات الدولة تتفاوت من الصفقتين بشكل كبير يصل إلى "عدة أضعاف" لصالح الصفقة الإماراتية، كما يؤكد فؤاد لـ المنصة.

مع توقيع اتفاقية رأس الحكمة، سددت الإمارات 24 مليار دولار مقابل حصولها على امتياز تطوير الأرض. أما في حالة علم الروم، فتلتزم قطر بسداد 3.5 مليار دولار كـ"ثمن نقدي"، كما ورد في بيان مجلس الوزراء عن الاتفاقية. 

وتبلغ مساحة مشروع رأس الحكمة 170 مليون متر مربع، بينما تقتصر مساحة مشروع علم الروم على نحو 20 مليون متر مربع.

ولم تُعلن الحكومة بعد عمَّا ستحصل عليه الموازنة العامة من إيرادات علم الروم من هيئة المجتمعات العمرانية، وهي ضمن الهيئات الاقتصادية التي تتمتع بموازنة مستقلة عن الموازنة العامة، كونها شريكةً أيضًا في الصفقة، لكنَّ مجلس الوزراء قال إن نصيب الدولة بشكل عام من الصفقة سيصل إلى 3.5 مليار دولار ما يساوي نحو  166 مليار جنيه من سعر الدولار الحالي.

وعنونت وكالة رويترز تغطيتها لصفقة علم الروم بالرقم الإجمالي لها والمقدر بـ29.7 مليار دولار، لكن النسبة الأكبر من هذا الرقم تمثل استثمارات ستنفذها الشركة في مصر وليست حصيلة نقدية ستذهب للموازنة العامة أو حتى لهيئة المجتمعات أو لأغراض تتعلق بشطب الديون الخارجية، على عكس رأس الحكمة التي خصص بموجبها 35 مليار دولار للأغراض السابقة.

ويشرح فؤاد أن ما ساهم في تضخيم صورة الاتفاق القطري هو أن الرقم الإجمالي الذي أُعلن سيشتمل على استثمارات مستقبلية في المشروع لن تدخل بالضرورة إلى خزانة الدولة.

وحسب بيانات وزارة المالية، سددت هيئة المجتمعات العمرانية، بصفتها الجهة المشاركة للإمارات في مشروع رأس الحكمة، إلى الموازنة العامة، إيرادات من حصيلة الصفقة الإماراتية بلغت 510 مليارات جنيه، أي حوالي 10.7 مليار دولار.

تعتقد إسراء أحمد أن المشروعات الساحلية قد تكون علاجًا مؤقتًا لأزمة الديون لكنها تفتقر إلى الأثر التنموي الذي يحتاجه الاقتصاد المصري على المدى البعيد، الذي لن يتحقق إلا من خلال أنماط أخرى من المشروعات أبرزها المشروعات الصناعية.