مدفون في ورق الحكومة.. إغراءات محدودة لجذب مستثمري الذهب
حزمة جديدة لتحفيز الاستثمار عن التنقيب عن الثروة المعدنية بمصر، اختار وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي الإعلان عنها بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال زيارته لأستراليا أكبر منتجي الذهب في العالم.
في البلد التي تضم بورصتها عددًا من المستكشفين البازين عالميًا، حاول بدوي حلَّ عقدة اكتشاف الذهب في مصر التي تتمتع بفرص كبيرة في إنتاج المعدن النفيس، لكنها لا تملك غير تجربة واحدة فقط في التعاون مع القطاع الخاص، تتمثل في منجم السكري الذي يعمل على نطاق تجاري كبير.
مع هذا لا يرى مكتشف منجم السكري للذهب، سامي الراجحي، جديدًا في الحوافز الجديدة ويصفها بأنها مجرد "رتوش تجميلية لا راح تودي أو تجيب"، كما قال في تصريحات لـ المنصة عبر الإيميل، وهو ما اتفق معه خبراء يرون أن التحفيز الحقيقي لن يتحقق إلا بأن تكون مهمة الكشف عن المعادن النفيسة مغامرة محسوبة التكاليف للمستثمر.
انتقد الخبراء كذلك غياب الشفافية في قطاع المحاجر، وطالبوا بقواعد أكثر وضوحًا عند التعامل مع الشركة المصرية للتعدين والمحاجر، التابعة للقوات المسلحة، التي باتت تهيمن على هذا القطاع بحكم القانون.
سنين ضائعة
لم تثمر تعديلات تشريعية جرت على أكثر من مرة خلال العقد الأخير في تحفيز الاستثمار في قطاع الثروة المعدنية والمحاجر، حيث يقبع القطاع في الناتج الإجمالي عند مستويات متدنية تقدرها وزارة البترول بـ1%.
بدأت التعديلات عام 2014، من خلال إصدار قانون يلغي التشريع المنظم لهذا القطاع منذ الخمسينيات ويضع مكانه ضوابط جديدة من المفترض أن تحفز المستثمرين على ضخ أموال، ورفع قيمة إيرادات الدولة من وراء ذلك.
لكن القانون لم يُرضِ المستثمرين ووصفوه بأنه يفتت الولاية على الثروة المعدنية ويشتتها بين هيئة الثروة المعدنية والمحليات والجيش، لتتصاعد الشكاوى من أن التشريع الجديد رفع تكاليف استغلال المحاجر.
لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الآخر راضيًا عن القانون، لكن لأسباب أخرى، فقد ركز انتقاداته على قطاع المحاجر وقال إن الدولة ظلت بعد القانون عاجزة عن تحقيق الإيرادات المأمولة لأن المتعاملين مع المحاجر اعتادوا على أخذ الموارد الطبيعية بسعر زهيد جدًا.
ضمن هذا السياق صدر تعديلان تشريعيان جديدان؛ الأول كان في 2019، واستهدف إرضاء المستثمرين من خلال الحد من النظام القديم الذي يُلزم الشركات بتقاسم الإنتاج مع هيئة الثروة المعدنية، واعتماد نظام تحصل من خلاله الدولة على حقها كرسوم وضرائب محددة في القانون. واكب هذا التشريع تفاؤل حكومي مع الإعلان عن أول مزايدة للبحث عن الذهب وفق النظام.
أما التعديل الثاني، الذي صدر في 2020، فاستهدف تحقيق تطلعات الرئيس بفرض المزيد من الانضباط على قطاع المحاجر من خلال نقل مسؤوليته من المحليات إلى الجيش، وذلك عبر منح الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات الحقَّ في استغلال مساحات هائلة من المحاجر، بحيث يصبح لزامًا على المستثمر العمل من خلال التعاقد مع الشركة، التي أسستها القوات المسلحة في العام نفسه.
كل هذه التعديلات لم تنتهِ لتغيير يُذكر في إيرادات الدولة، سواء في قطاع المناجم أو المحاجر، فقد ظلا على حالهما لا يحققان سوى إيرادات ضئيلة في الموازنة العامة بعيدة عن الآمال المعقودة.
ما الذي تقدمه الحوافز الجديدة؟
لم يركز وزير البترول في إعلانه الجديد على قطاع المحاجر الذي دار جدل واسع بشأنه خلال السنوات الماضية، إنما أعاد التركيز على قطاع المناجم وخصص له حزمةً من الحوافز، وإن لم يعلن عن تفاصيلها بعد.
تتلخص التصورات الرئيسية التي تعهد بها بدوي أمام 30 شركة أسترالية في تقليل تكاليف الاستكشاف الأولي لنشاط التعدين، الذي يعد مغامرة أمام الشركات قد لا تثمر عن كشف تجاري في النهاية، كما أكد على توحيد جهات إصدار التراخيص قدر الإمكان وتقليل تكاليفها.
سبق ذلك بشهور إجراءٌ روّجت له الحكومة، وهو تحويل هيئة الثروة المعدنية، المسؤولة عن الرقابة على قطاع التعدين، من هيئة خدمية إلى هيئة اقتصادية تهدف بالأساس لتحفيز الاستثمار وتوطين الصناعة.
حزمة الإجراءات الجديدة، وإن كانت حسنة النيّة، فإن سامي الراجحي يرى أنها لا تزال تتجاهل الكثيرَ من الثغرات التي تقلق المستثمرين عند التعامل مع مصر، كما أكد في رده على أسئلة المنصة.
"هل الإجراءات دي راح تطمن المستثمر الجاد إنه لو عمل اكتشاف راح يقدر يبني منجم ومصنع بشروطٍ اقتصادية؟ والا تعالى استكشف، ولو عملت اكتشاف نتناقش على شروط الاستغلال؟"، يتساءل الراجحي.
ويضيف لتساؤلاته السابقة؛ "هل شروط البحث والاستغلال ثابتة مع كل مستثمر، ولّا مختلفة من مستثمر لآخر وتعتمد على حاجات أخرى غير كفاءة المستثمر وتاريخه وخبرته؟".
ويجمل حديثه "ما فيش أي حل (..) إلا قانون شفاف جذاب، يطبق على الجميع سواسية: محلي أو أجنبي، بشروط تحمي حق الدولة وحق المستثمر، موضح فيها شروط وواجبات المستثمر في جميع مراحل المشروع".
بدوره يرى الخبير الجيولوجي محمد إمام أن الحوافز ستظل قاصرةً ما لم تضمن بشكل كامل عدم وقوع المستثمرين فريسةً للموافقات المطلوبة من جهات متعددة، داعيًا لقانون "يلزم جميع الأجهزة والجهات الحكومية بمنح موافقاتها للعمل مع إصدار الترخيص، على أن تكون تلك الموافقات نفس مدة الترخيص".
"علينا أن نفكر قليلًا في تلك المعوقات التي لم تثمر لنا إلا منجم السكري فقط في بلد يمكن أن يصبح فيه أكثر من 50 منجم ذهب"، سيحدث هذا وفق إمام لو تم تعديل قانون التعدين والفكر التشريعي لاتفاقيات بقانون لاستغلال الذهب.
فيما يشير حسن بخيت وكيل وزارة البترول الأسبق إلى فجوة كبيرة بين قدرات مصر على إنتاج الذهب وواقع الاستثمار "زمان كانوا بيتكلموا عن 120 موقع (محتمل لإنتاج الذهب) من 30 سنة، (الآن تجاوزت التوقعات) فوق الـ600 موقع".
ويتحدث الوكيل الأسبق لوزارة البترول عن صعوبةٍ في تعامل المستثمرين مع الشركة المصرية للثروة المعدنية، التابعة للقوات المسلحة، بسبب عدم إعلان اللائحة التي تعمل وفقها الشركة، ما يفاجئ المستثمرين بوقوع عقوبات عليهم.
"مفيش لائحة توضح العلاقة بين الشركة المصرية و(المستثمر) اللي ياخد الموقع، اللائحة عندهم ولكن لم تعلن"، يقول بخيت لـ المنصة، مشيرًا إلى ما قد يتعرض له المستثمرون من غرامات باهظة وعقوبات كبيرة بسبب عدم معرفة اللائحة.
الخامات المنسية
بعيدًا عن الذهب، هناك العديد من الخامات غير المستغلة التي لا تقل أهميةً للاقتصاد المصري بالنظر إلى الاعتماد على استيرادها؛ "فيه ملف مهم جدًا، الخامات المنسية، عندنا خام الحديد وخام النحاس وخام البوتاسيم (..) لابد أنه ما دام هذه الخامة استراتيجية ووارداتها عبء على الدولة أحط خطط إزاي أستفيد منها"، يقول بخيت.
ويضرب مثالًا على عدم الاستغلال الأمثل بالبوتاسيوم، الخام الذي يدخل في تنمية المشاريع الزراعية، ولكن "إلى الآن ما فيش منجم بوتاسيوم طلع للنور، رغم إن (هناك) أبحاث (في) خليج السويس رأس غارب ممكن تكون من أكبر مناجم البوتاسيوم في العالم".
على النقيض، تعاني الخامات المحجرية من الهدر وليس قلة الاستكشاف، لذا يدعو بخيت لسياسة تسعير لرخص استخراج هذه الموارد تتفق مع مدى أهميتها، ويضرب مثالًا على ذلك بالججر الجيري في سمالوط، الذي يتمتع بنقاء عالٍ، وتقوم عليه صناعات متعددة، "أتمنى ضبط رخصتها بحيث تتناسب مع الجودة بتاعتها (..) عشان مهدرهاش، نستعملها في استخدامها متبقاش بتستخدم في (صناعة) طوب".
لا تنتهي كل محاولات الحكومة لاكتشاف الثروات المدفونة إلى فشل تام بطبيعة الحال، فخلال 2025 أعلنت شركة Aton Resources الكندية عن بدء الإنتاج التجاري للذهب من منطقة أبو المروات في الصحراء الشرقية في 2026، لكن الاكتشافات الجديدة تظل محدودة النطاق، فحجم الاحتياطي المؤكد لاكتشاف الشركة الكندية يقتصر على نحو 300 ألف طن، مقابل احتياطات لمنجم السكري تقدر بـ 6.2 مليون طن.