تصميم سيف الدين أحمد، المنصة 2025
تحديث كاميرات المراقبة في المدارس خطوة جيدة لحماية التلاميذ من التحرش، لكن ماذا لو تواطأ مراقب الكاميرات؟

كابوس التحرش في المدارس| عن الذين كبروا فجأة

منشور الثلاثاء 16 كانون الأول/ديسمبر 2025

لقد كبرنا دون أن ننتبه.. لم يُسمح لنا بأن نكبر على مهل

محمود درويش، الرسائل مع سميح القاسم


مايو 2025

وقف طفلٌ يرتدي ملابس سبايدر مان محاطًا بعدسات المصورين ونظرات الفضول والإشفاق. كان المشهد مهيبًا وحزينًا؛ فبدلًا من وجود الطفل "س" ذي السنوات الست مع زملائه في المدرسة أو في منطقة ألعاب آمنة، حضر إلى قاعة محكمة بمدينة دمنهور ليحكي تفاصيل اغتصابه على يد رجل سبعيني داخل حمامات المدرسة.

كان الخجل هو السائد في القاعة، ليس خجل ياسين مما تعرض له في هذه السن الصغيرة ويفوق قدرته على الاستيعاب، إنما خجل الحضور من فشلهم في خلق بيئة آمنة داخل المدارس التي يرسلون أولادهم إليها يوميًا وهم لا يعرفون إن كانوا سيتعاملون هناك مع بشر أسوياء، أم سيكونون سيئي الحظ مثل "س" ويقابلون صبري كامل آخر، المتهم الذي استغل عمله مراقبًا ماليًا في المدرسة ليرتكب جريمته بمساعدة إحدى المشرفات وتواطؤها.

حكمت المحكمة على كامل بالمؤبد قبل أن يُخفف الحكم في الاستئناف إلى السجن 10 سنوات. لكنَّ الحادث فتح عيونًا ما كانت لتُفتح لولا شجاعة أم قررت أن تحارب من أجل طفلها، وأطفال الجميع.

قبل أيام؛ أحالت محكمة الجنايات أوراق عاملٍ في مدرسة دولية بالإسكندرية إلى مفتي الجمهورية لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدامه، لاتهامه باختطاف 5 أطفال في مرحلة رياض الأطفال والاعتداء جنسيًا عليهم. بعدها تكشَّفت جرائم اعتداء جنسي جديدة اتُّهم بارتكابها سبعة عاملين داخل مدرسة سيدز الدولية بحق أطفال في المرحلة نفسها.

تمتلئ ساعات الهواء وصفحات المواقع بشهادات مروعة عن حوادث اعتداء جنسي مفزعة تعرض لها أطفال داخل مدارس مصرية مختلفة، من الحكومية إلى الدولية، ومن الإسكندرية إلى الصعيد. يستقبل الآباء أبناءهم بسؤال عن أي لمسة غريبة تعرضوا لها في المدرسة قبل سؤالهم عن الواجبات المنزلية وما تعلموه هناك، يسأل الجميع: ماذا حدث؟ ولماذا ازدادت هذه الحوادث بهذا الشكل؟

الأرجح أنها لم تَزد، لكنَّ الحديث عنها هو الذي أصبح ممكنًا. فعلى مدار عقود لم يكن من السهل أن يُفصح طفلٌ عما تعرض له في المدرسة. وإن أفصح، يُفضِّل أولياء الأمور الصمت ومعالجة المسألة بالبحث عن مدرسة أخرى، وإن تحدثوا، عُولج الأمر بالجلسات العرفية وتقبيل اللحى، هذا إن لم يُلق اللوم والوصم على الطفل وأهله أصلًا.

الذي زاد هو النشر، والذي شجع هو الوعي، وهذه خطوة أولى في مواجهة عدو تغذى على الصمت حتى صار وحشًا.

أكتوبر 2023

نشر موقع Business Insider تحقيقًا صادمًا كشف عن سلسلة طويلة من الانتهاكات الجنسية داخل مدرسة واحدة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية جرت على مدار سنوات.

التحقيق اعتمد على وثائق داخلية وشهادات طلاب قدامى وحاليين وملفات تأديبية لمعلمين وعاملين، أثبتت وجود تواطؤ من جانب المدرسة والإدارة المحلية وتستر على وقائع تحرش واعتداء جنسي قُدِّمت بها شكاوى من طلاب وأولياء أمور، كانت تنتهي في كل مرة بتحقيق شكلي، والاكتفاء بنقل المدرس أو العامل المتهم إلى مدرسة أخرى.

بعدما أثار التحقيق موجةً هائلةً من الشهادات بشأن ما حدث في المدرسة ومدارس أخرى، عكفت الولاية وأجهزتها على وضع تعديلات تشريعية ولائحية، ليخرج في أكتوبر/تشرين الأول 2025 قانونٌ جديدٌ بإنشاء قاعدة بيانات وطنية لفحص خلفيات الموظفين قبل تعيينهم والتأكد من عدم توجيه اتهامات تحرش واعتداء جدية بشأنهم في أي مرحلة سابقة.

ألزم القانونُ أيضًا المدارسَ بتقديم تدريب متخصص لجميع العاملين بشأن كيفية التعرف على إشارات التحرش والاعتداء والإبلاغ عنها، وإيجاد سياسات واضحة ومكتوبة للحدود المهنية لكل عامل داخل المدرسة.

لم يغرق المشرعون في نقاشات حول تغليظ العقوبة، بل اهتمّوا بكيفية سد كل الثغرات التي تؤدي إليها، فالقتلة يُعاقَبون بالإعدام منذ آلاف السنين، ورغم ذلك توثق بيانات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة ارتفاع معدلات جرائم القتل حول العالم من نحو 400 ألف في عام 1992 إلى أكثر من 460 ألفًا في عام 2017، أي جريمة كل دقيقة.

لن تنخفض معدلات الجريمة في مدينة بشكل ملحوظ لمجرد أنها رفعت العقوبة من السجن 10 سنوات إلى المؤبد، لكنها قد تنخفض بمعدلات أكبر بكثير لو غطت كاميرات المراقبة كل شوارعها.

نوفمبر 2025

بعد تكرار حوادث التحرش بالتلاميذ أصدر وزير التعليم محمد عبد اللطيف كتابًا دوريًا حمل الرقم 19، ووردت فيه تعليمات جديدة بشأن آليات الحفاظ على أمن وسلامة الطلاب داخل المدارس الخاصة والدولية، من بينها تحديث أنظمة كاميرات المراقبة وتغطيتها لكافة المساحات، وإلزام المدارس بإجراء تحليلات دورية على العاملين للكشف عن المخدرات، وإطلاق أنشطة لتوعية الطلاب.

خطوات جيدة، لكن ماذا لو تواطأ مراقب الكاميرات كما تواطأت المشرفة مع المتهم في حالة "س"؟ ماذا لو كان المتهمون جماعة كما في حالة مدرسة سيدز؟ ماذا لو لم يتكلم المجني عليهم كما في غالبية الحالات؟ ثم الأهم: ماذا عن المدارس الحكومية؟

في مصر يدرس 87.2% من الطلاب في المدارس الحكومية مقابل 12.8% فقط في المدارس الخاصة والدولية، وفق كتاب الإحصاء السنوي للسنة الدراسية 2024-2025 الذي تُصدره عن وزارة التربية والتعليم.

يعلم الوزير ونعلم نحن أن المدارس الحكومية إن كانت بها منظومات مراقبة أصلًا، فالأكيد أنها غير كافية. يعلم ونعلم أن الكثافة داخل الفصول في المرحلة الابتدائية 50.1 طالب وفق تقديرات رسمية لليونيسف. يعلم ونعلم أن هناك مدارسَ مسائيةً يعود الطلاب منها في الظلام، يعلم ونعلم أن بينها مدارسَ في قرى ونجوع الدلتا والصعيد لا يمكن أن نراهن فيها على إنصاف الضحايا.

لا نريد قرارات وبيانات عاجلة متأثرة بضغط الرأي العام في وقت يظهر فيه التحرش في المدارس ترندًا تتجاوب الوزارة والدولة معه، ثم ننتقل إلى ترند آخر. نريد جولات حوار يشترك فيها الجميع للوصول إلى صيغة مناسبة ومستدامة وتشريعات وخطوات تعيد الثقة في المدارس، ونريد قبلها أن نواجه كل فعل يؤدي إلى تبرير فعل الاعتداء الجنسي أو التشكيك فيه أيًا كانت اللافتة التي يحملها.

ديسمبر 2025

داخل مبنى الأمم المتحدة بجنيف، وفي جلسة مخصصة للحديث عن اضطهاد الأقليات، حملت الكاتبة دينا أنور صورًا لسبعة محبوسين لأسباب "عقائدية"، منهم من يرغب في تغيير ديانته، ومن لا يعترف بالأديان، ومعهم صبري كامل. هل تذكر هذا الاسم؟

نعم، إنه المتهم باغتصاب الطفل "س". وُضِع في سياق واحد مع آخرين محبوسين على أساس الدين، على اعتبار أنه مسيحي، وأن هناك تحريضًا وقع ضده أثر على سير المحاكمة.

دفاعًا عن موقفها، قالت الكاتبة إن المتهم لم يحظَ بمحاكمة عادلة! تلك التي لم تُضبَط يومًا متلبسة بالدفاع عن سجينٍ سياسيٍّ واحد ممن قضوا سنوات رهن الحبس الاحتياطي دون أن يقفوا أصلًا أمام قاضٍ، تدافع الآن عن متهم وقف أمام قاضيه الطبيعي، ومر بجميع درجات التقاضي، وأدين فيها جميعًا.

وفي مكان آخر قبل نحو أربع سنوات؛ سألت إحدى المُتابعات الداعية الإسلامي عبد الله رشدي في بث مباشر على فيسبوك تابعه مئات الآلاف عن أسباب التحرش بالأطفال، عقب نشر أخبار عن تورط محفظ قرآن في جرائم تحرش بفتيات يقوم بتعليمهن، خصوصًا وأنه يُرجع ظاهرة التحرش دائمًا إلى ارتداء الفتيات لملابس غير مناسبة.

كان سؤالها استنكاريًا؛ "اللي اتحرش بأطفال في الحضانة كانوا لابسين مفتوح برضه يا شيخنا؟"، فقال "اللي بيتحرش بأطفال بيكون عنده كبت جنسي، بسبب المظاهر والمناظر اللي شايفها طول اليوم من الناس اللي لابسة لبس مثير".

هذه القضية أضرَّها على مدار عقود التشكيك في روايات الضحايا ونواياهم، واختلاق الأعذار والمبررات للمتهمين استنادًا إلى وضعهم الاجتماعي أو السياسي أو الديني حرصًا على ما يمثلونه، حبس الخوف المجني عليه طويلًا وأطلق الجناة.

واليوم؛ يأتي أمثال هذين في خضم النقاش عن سُبل حماية أبنائنا في المدارس، ليسحبونا من جديد إلى المربع صفر، حيث إعادة تعريف الجاني والضحية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.