تصميم: المنصة

يوميات صحفية برلمانية| الكهرباء تُفسد حلاوة البدايات في "الشيوخ"

منشور الثلاثاء 23 كانون الأول/ديسمبر 2025

حلاوة البدايات، وفن اختيار التوقيت، من المهارات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، بالأخص والبرلمان الجديد بحاجة ماسة لتجميل صورته في نظر المواطنين الذين كشفت الانتخابات الأخيرة مدى فقدانهم الثقة في العملية السياسية، وتُرجم غضبهم بمعدلات المشاركة الهزيلة.

بالنسبة لمجلس الشيوخ الجديد الذي انعقد للمرة الأولى في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد تتمثل البداية الموفقة في اختيار مشروع قانون يعالج أزمات تتعلق بالمواطنين، ويُخفف عن كاهلهم ويعدهم بتحسن خدمات أساسية مثل الصحة أو التعليم، أو دراسة نتائج قانون مثل قانون الإيجار القديم والتفكير في تخفيف أثرها السلبي.

لكن المجلس الجديد اختار أسوأ السيناريوهات، واستهل أعماله بمناقشة تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015 بهدف تغليظ عقوبة سرقة التيار، وهو ما يرسخ الصورة الذهنية لبرلمان يستجيب دائمًا للسلطة التنفيذية وينحاز لها.

بدايات مختلفة وسياسات قديمة

في جلسة الأحد الماضي، تعرفتُ للمرة الأولى على رئيس مجلس الشيوخ الجديد، المستشار عصام الدين فريد. راقبتُ أداءه لأقترب من عقلية رأس المجلس الذي كان يشغل منصب رئيس محكمة الاستئناف.

تبدو الدقة والالتزام في المواعيد من السمات الشخصية البارزة لرئيس الشيوخ، الذي بدأ الجلسة العامة بموعدها في الحادية عشرة صباحًا بالضبط. استثمر فريد وقت المجلس ولم يهدره، فتمكن من إنهاء المناقشات من حيث المبدأ والمواد في يومٍ واحدٍ.

دون مماطلة، أنهى مناقشة المواد الثلاث لمشروع القانون دون تأجيل، وهو إنجاز كبير مقارنة بالمجلس الماضي الذي كان يناقش مشروعات قوانين مشابهة في يومين كاملين.

اتسمت إدارة فريد بهدوءٍ شديد؛ صوت مستقر خالٍ من التوتر، لم ينفعل أمام انتقاد عضو المجلس رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي لطريقة الإدارة، التي جعلته كرئيس حزب يأتي آخر المتحدثين، قال له الشهابي "لست مسؤولا عن هندسة الانتخابات"، في إشارة إلى فشل حزبه في حصاد مقاعد أكثر في المجلس وبالتالي تراجع ترتيبه في الحصول على الكلمة، فطالبه فريد في هدوء شديد بالحديث في الموضوع.

رغم هذه الاختلافات، استمر مجلس الشيوخ في سياسته القديمة مع الصحفيين، فاجتماعات اللجان مغلقة ولم نتمكن من متابعة مناقشات مشروع القانون المثير للجدل في لجنة الطاقة والبيئة قبل أن يصل محطته الأخيرة في الجلسة العامة.

لماذا قدمت الحكومة التعديل؟

يحصر تقرير لجنة الطاقة والبيئة أهداف وفلسفة تعديل القانون في حماية الاستثمارات الضخمة التي تضخها الدولة في قطاع الطاقة، عبر أدوات تشريعية رادعة تمنع الخسائر المالية والفنية التي تمس سلامة الشبكة القومية.

وذكرت نائبة وزير الكهرباء والطاقة المتجددة صباح مشالي أن نسبة الفاقد في الطاقة بلغت نحو 20% من إجمالي الإنتاج، لافتة إلى أن خسائر الاستيلاء على التيار الكهربائي تتجاوز 22 مليار جنيه، وبينما أشارت إلى تحرير 3.4 مليون محضر سرقة تيار كهربائي، لم تحدد المدى الزمني الذي جرى خلاله تحرير هذا العدد من المحاضر.

بموجب التعديلات التي وافق عليها المجلس، يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام أثناء تأدية أعمال وظيفته في مجال أنشطة الكهرباء أو بسببها بتوصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المنفذة له، والعلم بارتكاب أي مخالفة لتوصيل التيار الكهربائي ولم يبادر بإبلاغ السلطة المختصة.

كما يُعاقب بالحبس مُدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، وتُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى حال تكرار المخالفة. وإذا وقعت الجريمة عن طريق التدخل العمدي في تشغيل المعدات أو الأجهزة الخاصة بإنتاج أو نقل وتوزيع الكهرباء، تصل العقوبة إلى الحبس مُدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تزيد على مليوني جنيه، وتُحدد اللائحة التنفيذية الصور والأنماط الفنية للتدخل العمدي.

وأضافت التعديلات مادة للقانون تنظم التصالح، فتسدد مثلًا قيمة استهلاك التيار المستولى عليه إذا تم السداد قبل رفع الدعوى الجنائية، وتسدد ثلاثة أمثال قيمة الاستهلاك إذا تم السداد بعد رفع الدعوى الجنائية وقبل صدور حكم بات فيها، فيما يسدد أربعة أمثال قيمة الاستهلاك إذا جاء السداد بعد صدور الحكم النهائي البات. ويلتزم طالب الصلح بأداء نفقات إعادة الشيء إلى أصله، وبقيمة ما لحق بالمعدات أو المهمات أو الأجهزة الخاصة بإنتاج أو نقل أو توزيع الكهرباء من إتلاف.

واعتبر وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المستشار محمود فوزي التصالح ركنًا أساسيّا من مشروع القانون ولا يجوز اختزاله في تشديد العقوبات فقط، موضحًا أن تنظيم التصالح يتفق مع الفلسفة الجنائية الحديثة.

رفض المعارضة

رفض عددٌ من ممثلي الأحزاب السياسية في مجلس الشيوخ مشروع القانون الذي اشتم رئيس حزب التجمع، سيد عبد العال، فيه "رائحة مش حلوة"، وحمل الحكومة مسؤولية لجوء البعض للسرقات في ظل غياب شفافية التسعير واحتكار تقديم الخدمة. 

رفض الشهابي بدوره تغليظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي، وقال "مش ممكن بعد موسم انتخابي أطلع أغلظ عقوبة سرقة التيار الكهربائي على مواطن كل اللي حيلته لمبة وتلاجة وتليفزيون"، وأضاف "القانون لو كان راعى الفرق بين السكني والتجاري كان ممكن نتحدث في وجهات نظر"، مشددًا على أنه لا يمكن المساواة بين من سرق وارتكب جريمة حقيقية وبين من عرف ولم يبلغ.

أما نائبة رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي أميرة صابر فتطرقت للتجربة البرازيلية في إدارة مثل هذه الأزمات، وخلصت إلى أن الخسائر غير الفنية تحتاج لحزمة حلول لا تقف عند تغليظ العقوبات، وإنما التنسيق بين الجهات واستخدام أدوات قياس ورقابة. 

ولفتت إلى غياب الأساس المعلوماتي للتشديد، وسألت الحكومة "أين تقع الاستيلاءات أكثر؟ لماذا تقع؟" وطالبت بتقديم خريطة جغرافية تفصيلية وتحليل الأسباب.

ضرورة تقييم الأثر

حسنًا فعلت الحكومة ومعها المجلس بالنص على بنود تنظم التصالح، وإن كانت تُساوي بين المواطن الواقع في دائرة الفقر أو غير القادر لوجستيًا على توصيل الكهرباء لمحل سكنه، وبين إمبراطوريات الاستيلاء على الكهرباء في المحلات والورش والأعمال التجارية. 

كما أن مسألة تغليظ العقوبات باتت توجهًا واضحًا للمشرع المصري بشكل عام في مختلف القضايا، يلجأ إليها مع تزايد معدلات بعض الجرائم أو ضغوط الرأي العام.

لكننا لم نصل أبدًا لإجابة عن الأثر التشريعي للتشديد. هل بالفعل تشديد العقوبة على جريمة معينة أدى لتراجعها؟ هل لدينا أي مؤشرات تكشف وجود علاقة عكسية بين التغليظ ومعدلات الجرائم؟ هل قدمت الحكومة قبل التعديل التشريعي أي بيانات تفيد بسبل مكافحة الجريمة والحد منها سوى العقوبات؟

ينتظر مشروع القانون انعقاد مجلس النواب الجديد ليستكمل مساره ويصل لمحطته الأخيرة قبل الصدور، وأتطلع لأن تختلف بداية النواب عن الشيوخ وأن يحسن الاختيار والتوقيت.