سنوات التقارب الرياضي الإيراني مع إسرائيل تحت أنظار الشاه

منشور الأحد 15 أبريل 2018

18 مايو/أيار عام 1968، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وقتها لم يكن قد مر سوى 20 سنة بالتمام والكمال على انتزاع حق مغتصَب بالدولة الوليدة "إسرائيل" على أراضٍ فلسطينية أصيلة برعاية الأمم المتحدة، ولكن في طهران، كان أبناء الشاه يعيشون شغفًا آخر، مجد ينتظرونه للمرة الأولى صباح باكر 19 مايو، ولكن هذا المجد سيمر على جسد من؟ سيكون لطيفا أنه سيمر على جسد إسرائيل، ولكن عبر بوابة كرة القدم، أي ما يمثل تطبيعًا حرًا.

ربما يكون وقتها هاجس كرة القدم يقل عن نظيره في أمريكا الجنوبية، المكسيك، إيطاليا، بريطانيا العظمى أو حتى مصر، لكن منذ تاريخ 19 مايو بدأ الهوس يرتفع، أو قل بالأحرى بعد ثلاثية إيران في مرمى بورما على حد بصر 30 ألف متفرج بملعب أمجدية، اقترب الحلم أكثر فأكثر، التتويج بأولى بطولات كأس أسيا التي تستضيفها طهران عام 1968 بمشاركة بورما وإسرائيل وهونج كونج والصين، ومقاطعة الدول العربية بالطبع.

بحلول عام 1968، كانت الكرة الإسرائيلية على قمة الكرة الآسيوية منذ ما يقارب عقدًا من الزمان، فعلى الرغم من أن إسرائيل كانت منشغلة بقضايا العدوان الثلاثي مع الحليفين إنجلترا وفرنسا عام 1956، إلا هذا لم يمنعها من أن تسجل مشاركتها الأولى في أولى بطولات كأس آسيا في نفس العام وتكون الوصيف بعد كوريا الجنوبية، وتكررت الوصافة مع نفس العقدة عام 1960، قبل أن ينجحوا في تأمين الكأس لصالحهم عام 1964 في تل أبيب على حساب العقدة ذاتها.

 

 

الفريق الإسرائيلي تألف من مجندين بنفس الجيش، يراوحون في العدوان سواء في ساحة الحرب أو على ملاعب كرة القدم، أغلبهم من يهود فقراء –سافارديم- أو أجانب كمثل مدرب الفريق يوسف مريموفيتش من قبرص ونجمها الأول مردخاي شبيجلر من أصول سوفيتية، وكل هؤلاء ساهموا في الظهور الأول والوحيد لإسرائيل بكأس العالم جنبا إلى جنب مع إبراهام كلاين عام 1970 بالمكسيك، قبل أن يسجل مردخاي شبيجلر هدف إسرائيل الوحيد في تعادلها الشهير أمام السويد، مع أداء بطولي في المباراة السابقة أمام جياسينتو فاكيتي ورفقائه الطليان وأمام الفريق الأوروجوائي.

 

من ناحية أخرى كانت إيران لا تزال في طور الإعداد لسنوات مجيدة أخرى ستتسيد خلالها الكرة الآسيوية حتى الإطاحة بالشاه في الثورة الإسلامية عام 1979، لازالت كرة القدم تحتل في عهد الشاه مقعدا خلفيا بكثير وراء المصارعة الحرة، الرياضة الوطنية الأولى في البلاد التي تقارع بها ميداليات السوفييت وروسيا والولايات المتحدة، في البداية أبدت طهران حساسية من مشاركة إسرائيل بالأمم الأسيوية فلم تشارك رغم توجيه الدعوة أعوام 1956 و1960 و1964. ولكن بطولة 1968 كانت مرغمة على المشاركة بما أنها البلد المستضيف، والتوجهات الإسرائيلية الإيرانية لم تأخذ المنعطف الحالي من التوتر وأجواء الاستعداء، فهناك تعاون استخباراتي أمني وتبادل للطاقة مع توتر مشترك يجمع البلدان بالرئيس جمال عبد الناصر، ومواقف مشتركة معادية للشيوعية والعروبة التي تفرضها أحلام التيار السوفيتي على المنطقة. أعظم شرف قبل 1968 للكرة الإيرانية كان المركز الثاني بدورة الألعاب الأسيوية، وهي بطولة هزيلة، عامي 1951 و1966، أضف للمشاركة في أوليمبياد طوكيو عام 1964، أرادوا عام 1968 أن يحرزوا لقبهم الأول فحسب.

 

 

 

 

على الرغم من أن القضايا الرياضية لم تكن هي الشغل الشاغل في الشرق الأوسط عام 1967 بعد حرب العرب مع إسرائيل في يونيو/حزيران، إلا أن هذا لم يبدد المخاوف إسرائيلية من أن يوجه الإسلاميون أو الشيوعيون ضربة قاصمة للبعثة الإسرائيلية في طهران خلال تواجدها للعب المباراة. 

 

عزت شاهي الذي فجر نفسه لاحقا في مكتب الخطوط الجوية الإسرائيلية بطهران، أوضح بأنه لم يكن من قبيل المصادفة أن تكون قوات الأمن في أقصى حالات الاستنفار حول منتخب إسرائيل من قبل ومن بعد. تلاشت أجواء التوتر والخوف السياسي وانتقلت للرياضة، حين التقى الفريقان وجها لوجه في ملعب أمجدية بطهران تحت أعين 30 ألف متفرج يتقدمهم شاه إيران وهناك مثلهم حول الاستاد، وأعداد أخرى هائلة تتابع حول المذياع وتنتظر توارد الصيحات من الاستاد ليتردد صدى دويها في الشوارع، قدرت الصحف الإيرانية أن 15 مليون مواطن سيتابعون المباراة لأول مرة على التلفاز بالأبيض والأسود. مر الشوط الأول في النهائي بين الفريقين دون حدث كبير، حتى أحرزت إسرائيل هدفها الأول القاتل في الدقيقة 56 عبر جيورا شبيجل بتمريرة حاسمة من موردخاي شبيلجر، تشبه هدف إسرائيل القاتل أمام استراليا في أول تأهل لها بكأس العالم، وكذلك حين أخذ الفريق بعيدا لربع نهائي أوليمبياد مكسيكو سيتي عام 1968.

محمود بياتي مدرب الفريق الإيراني فيما سيبدو أنه سيكمل اللقاء مكتوف الأيدي تحت أنظار الشاه حين علم بإصابة هدافه هوميون بزادي واضطراره للخروج، إلا أن حقنة مسكنة جعلته يكمل المباراة، فأحرز هدف التعادل في الدقيقة 75، بل ومرر هدف الفوز بالدقيقة 86 بعد بضعة تمريرات ثم تسديدة بعيدة سكنت المرمى، جعلت زئير المشجعين يدوي كصوت المدافع والقنابل، فقد أذاقوا إسرائيل المر لأول مرة ولكن عبر الرياضة، ونالوا شرف رفع الكأس لأول مرة.

 

بدأت الكرة الإيرانية من وقتها عصرا مزدهرا من على أجساد الفريق الإسرائيلي، الفوز بثلاث بطولات للأمم أعوام 1968 و1972 و1976، بل وبطولات أخرى مثل ذهبية دورة الألعاب الأسيوية عام 1974 والمشاركة بأوليمبياد ميونيخ 1972 ومونتريال 1976 وسط استمرار مقاطعة العرب، وتأهلت لأول مرة في تاريخها لكأس العالم 1978، وعاشت بسببها اسكتلندا أوقاتا عصيبة ونالت خسارة مشرفة أمام طاحونة النجوم الهولندية.

ستتواجه إيران وإسرائيل مجددًا، ولآخر مرة، عام 1974، وستمر إيران مرة أخرى وتفوز على أرضها أيضا بذهبية الألعاب الأسيوية، وبعدها سيتغير كل شيء، جذريًا.

حين تغيرت وجهة قافلة النفط في البحر عائدة صوب طهران مجددا عام 1973 بأمر من السادات للشاه عقابا على التدخل الأمريكي لقلب ميزان القوى لصالح إسرائيل في حرب كيبور 1973، وكذلك نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي المستمر، تقدمت الكويت بمشروع قرار لطرد إسرائيل من الاتحاد الأسيوي لكرة القدم عام 1974.

صوتت 17 دولة لصالح القرار من بينها إيران مقابل اعتراض 13 دولة وامتناع 6 عن التصويت، وجاء الطرد في أعقاب سنوات من التوتر بين المشروع الصهيوني الإسرائيلي والتعبيرات المتنامية عن القومية العربية والتضامن مع الشعب الفلسطيني منذ حرب الأيام الستة في عام 1967، وبعد تبني قرار الخرطوم من قبل قادة الدول العربية الذين رفضوا شرعية إسرائيل كدولة ذات سيادة بعد فترة وجيزة، بدت الأمور قاتمة أكثر لإسرائيل في المنطقة.

ستعيش إسرائيل حياة بدوية فيما يتعلق بكرة القدم، حتى ترتمي في أحضان اليويفا عام 1992 وتتسبب في إقصاء فرنسا من كأس العالم 1994 في  تل أبيب، وقبل كأس آسيا 2011، سيصدر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم شريط فيديو ترويجي قصير بعنوان تاريخ كأس آسيا يعطيك الفيديو ثلاث دقائق من نهائيات كأس آسيا، ويتجاهل تمامًا ذكر بطولة عام 1964، وهو العام الذي استضافت فيه إسرائيل البطولة وفازت بها.

إيران، من جانبها، سوف تبدأ انحدارًا حادًا بمجرد سيطرة الإسلاميين على البلاد خلال ما يسمى بالثورة الإسلامية عام 1979، حيث أن التغييرات السياسية والأيديولوجية للبحرية من شأنها أن تمنعهم من الظهور على الساحة الدولية، وبصورة منهجية.

إن التطهير المناهض لكرة القدم سيدمر إلى الأبد فريق ميلي (الفريق الوطني). واضطر جليشكاني، بطل أمجادية، إلى الفرار من البلاد بعد وصفه بـ"المنشق" ولم يعُد مرغوبًا فيه. وكان آخرون أقل حظا. تم إعدام البعض، وتحول أولئك الذين نجوا من الموت إلى أشباح مع ماضيهم المجيد.

لقد وصل العصر الذهبي إلى نهاية مفاجئة ومأساوية.