ملاحم "العودة الكبرى": دائرة لا تنتهي ضد الاحتلال

منشور الثلاثاء 24 أبريل 2018

 

نضال متصّل وتضحيات مستمرة، جراحات نازفة وأرض لا يتركها أهلها، يأبون التنازل عن حقهم في أرضهم ووطنهم السليب، ولا يرضون إلا بالعودة إلى فلسطين، ومسيرات العودة الكبرى المتواصلة منذ عدة أسابيع ليست سوى دليل واضح ساطع على تمسك الفلسطينيين بحقهم، رغم دمهم النازف على الحدود الشرقية لقطاع غزة.

وبين من دفع حياته ثمنًا لخلاص وطنه من الاحتلال، ومن نجا، لا تنتهي القصص في تلك الدائرة، ينتفض من يعانون الاحتلال، فيسقط منهم من يسقط وينجو من ينجو، لتعود الكرّة من جديد وكأنها لن تنتهي، إلا أن من لم يستسلم على المعابر والأسوار والحواجز الحدودية، لديه من اليقين بأن لهذه الدائرة نهايةً واحدة، عندما ينتهي الاحتلال وتتحرر الأرض. 

 

عبد الله الشمالي (20 سنة) شارك في مسيرات العودة الكبرى يوم جمعة الأسرى والجرحى شرق مدينة رفح، فأصيب برصاصة في بطنه، ليلحق بوالده محمد الشمالي أحد قادة كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) في رفح، والذي قتلته جماعات متشددة في غزة عام 2009.

 

بصبر واحتساب وافتخار، وبنبرة تحمل الحزن والأسى تحدثت أم عبد الله الشمالي عن غياب ابنها البكر قائلة "شبابنا يذهبون إلى الحدود من أجل نيل حقوقهم، ولفت نظر العالم إلى حقنا الضائع، فالعودة حقنا، والحمد لله رب العالمين على شهادة ولدي، وأسأل الله ان يكون ولدي والذين سبقوه في جنات النعيم".

وأضافت "أنا كنت أبحث عن عروس لولدي الشهيد لأفرح به، ولكن يبدو أن لا أحد من نساء الدنيا تصلح له، وقد اختار حور العين وأسأل الله أن يكرمه بحور العين".

 

وتابعت متحدثةً عن وادعه "لقد ودعته بكل إيمان وتسليم بقضاء الله وقدره، وبكل صبر وإني لفخورة به، وأخلاقه كانت تتحدث عنه كما كان والده الشهيد وأسال الله أن يجمعني بهما".

ووجهت رسالة إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن "الشعب الفلسطيني سيظل يقاوم ولن يستسلم ابدًا، وسيقدم الشهداء تلو الشهداء وأرواحنا كلها فداء للوطن وحق العودة".

فخر الأسير

تحرير أبو سبلة (18 سنة) أصم من ذوي الإحتياجات الخاصة، أصيب برأسه في الأول من أبريل/نيسان أثناء مشاركته في مسيرة العودة الكبرى على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، وشيعته الجماهير الفلسطينية ظهر اليوم إلى مثواه الأخير.

 

وقف والده سعيد أبو سبلة، وهو أسير محرر أمضى 13 سنة في سجون الاحتلال، متحدثًا ومفاخرًا بولده قائلًا "كانت الفرحة بأن قدمت ولدي شهيدًا، وأنا بعمري البالغ 55 عامًا أطلب الشهادة، وكل ما أملك فداء الوطن والقدس وحق العودة".

سعيد أبو سبلة وجه نداءه إلى الفصائل الفلسطينية بالتوحد و"أن ينظروا إلى مصلحة شعبهم"، وأشار إلى أنه وجه نداءه إلى القوى الوطنية والإسلامية والرئيس محمود عباس بأن يخرجوا ولده الأصم إلى إحدى المستشفيات الخارجية لعلاجه عند إصابته، ولكن الرفض وتشديد الحصار هو كل ما قبلنا به أبناء جلدتنا.

 

فيما تحدثتأم تحرير أبو سبلة بثبات وصبر يحسده عليها الرجال عن ابنها قائلة "هو طلب الشهادة وكانت من أمانيه ونالها والحمد لله، ولا نريد أكثر من ذلك، فنحن شهداء.. شهداء.. شهداء، وأن يذهب تحرير شهيدًا فهناك ملايين مثل تحرير يريدون الشهادة".

وأضافت "أنا لدي ثمانية أبناء استشهد تحرير وبقي سبعة آخرون، وأنا وأولادي السبعة كلنا فداء الوطن والقدس، ولسنا خائفين من المحتل الغاصب، وأنا في عزاء ولدي مستعدة أن أذهب الآن إلى الحدود للمشاركة في مسيرات العودة الكبرى حتى نسترجع حقوقنا".

هاتفه المحمول أنقذه من الموت

طلب أبو طيور (23 عاماً) اتجه يوم الجمعة الثانية لمسيرات العودة الكبرى التي أطلق عليها جمعة الكوشوك إلى الحدود الشرقية لمحافظة رفح، للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى، فوضع هاتفه المحمول في جيبه الأيسر لأول مرة في حياته، ليكون سببًا في حياته ونجاته من الموت بأعجوبة شديدة.

 

متوشحاً الكوفية الفلسطينية، راقدًا على سريره في المستشفى، مبتسمًا لضيوفه، تحدث أبو طيور عن إصابته بعدة طلقات نارية قائلاً "زحفنا نحو الحدود، وأشعلنا إطارات السيارات لمنع الرؤية عن جنود الإحتلال، وألقينا عليهم الحجارة ردًا على إطلاقهم النار علينا، وليس بالمنطق أن يطلق علينا الرصاص مقابل إلقاء الحجارة".

وأضاف "لم نرهب أو نخف من إطلاق النار علينا بل أصررنا على المواصلة، وقمنا بقص السياج الفاصل والدخول إلى أراضينا المحتلة، وبينما نحن نتقدم أصبت بعيار ناري متفجر في يدي وأخر في رجلي، ومن ثم أطلق علي عيار أخر بحمد الله نجوت منه بأعجوبة، حيث أتي في الهاتف المحمول الذي لأول مرة أضعه في جيبي الأيسر، لأنجو من إصابة قاتلة كانت ستؤدي بحياتي".

 

بابتسامته التي لم تفارق وجه طوال وقت اللقاء، تابع طلب حديثه عن مسيرات العودة قائلًا "مسيرتنا كانت سلمية والحمد لله، واستطعنا قهر الجيش الذي لا يقهر بحجراتنا، وبعزيمتنا القوية، وبهتافات وشعاراتنا المطالبة بحقنا، وبالرغم من جراحنا ما زالنا صامدين، ولا يتوهم الاحتلال بأنه بإطلاق النار علينا سنخاف أو نهاب، أو إذا قطعت أطرافنا جراء رصاصاته بأننا لن نعود، بلى سنعود للتظاهر مهما حدث".