تصميم: يوسف أيمن- المنصة

"احكوا عني لولادي": أمهات مع إيقاف التنفيذ

منشور الخميس 19 نوفمبر 2020

"لا تنسوني واحكوا عني لأولادي" وصية تداولها عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لطبيبة شابة توفيت قبل رؤية طفليها، بسبب خلافات مع والدهما حتى بعد حصولها على حكم بحضانتهما، لتفتح تلك القضية قصصا أخرى مشابهة في الوجع لأمهات خضن التجربة، وأيضا ضغف بآليات ووسائل تنفيذ أحكام الحضانة.

إحدى جارات الطبيبة الشابة قالت للمنصَّة إن زوجها حرمها من رؤية طفليها حمزة وليلى منذ عام ونصف، على الرغم من حصولها على حكم بالحضانة، وبعد سفره للكويت عاش الطفلان مع والدته وشقيقته في مكان غير معلوم للأم "أمنية فضلت تقريبًا سنة ونص تدور على ولادها، وهما قاعدين مع الجدة والعمة في مكان مش معروف، ولفت على أقسام الشرطة والمحاكم ومحدش كان بيساعدها وكانوا بيطلبوا منها تحديد مكانهم، لحد ما دخلت في مرحلة اكتئاب شديد وصلها لجلطة سببت وفاتها من غير ما تشوف ولادها أو تطمن عليهم، وكانت وصيتها لكل القريبين منها إننا نتكلم عن ولادها ونعرفهم أنها مقصرتش في حقهم أبدًا".

لم يستدل عليه

حكم الحضانة الذي حصلت عليه أمنية لم يمكنها من رعاية طفليها وتربيتهما، وهنا تقول المحامية الحقوقية والمهتمة بالشأن النسوي عزيزة الطويل، إن أحكام الحضانة والنفقة تأخذ ما بين ثلاثة وستة أشهر في أروقة المحاكم، ولكن المشكلة تكون في تنفيذ القرار فعليًا، ﻷن اﻷب قد يلجأ لحيلة تغيير محل الإقامة، فعند تنفيذ الحكم يخطر قسم الشرطة الأم بأنه لم يستدل على مكان الأب "دي العبارة المشهورة وبيتطلب من الأم إنها تحدد المكان علشان يتنفذ الحكم، كمان في القانون المصري مفيش حاجة اسمها أب بيخطف ابنه، اللي بيتعمل محضر امتناع عن تنفيذ الحكم بس، وتفضل الأم تلف وتدور على مكان الأب اللي بيغيره كل شوية".

عزة عبد الهادي عاشت تجربة مماثلة لأمنية، استمرت لمدة عامين "جوزي خد بنتي اللي كانت وقتها عندها 3 سنين من الحضانة، رغم إنه بعد الانفصال اتفقنا إنه يشوفها مرة في الأسبوع، وفي مرة روحت آخدها من الحضانة قالوا لي باباها خدها واتصلت بيه قالي إني مش هشوفها تاني، وإنه سافر بيها إسكندرية وأنا عايشة في القاهرة، أنا كنت معرفاه مكان حضانة البنت وعنوان بيتي لأني مكنتش عاوزة أي عداوة تكون بينا علشان مصلحة البنت، بس فجأة حسيت إن أني بموت وأنا حية، بنتي اللي مليش غيرها اتخطفت مني".

ظلت عزة لمدة 7 أيام في محاولات ودية مع أقارب الزوج لعودة الطفلة، ولكنها كانت محاولات فاشلة، حيث تمسك الزوج بقراره، ورفض عودة الطفلة، حتى قررت الأم اللجوء لقسم الشرطة لتحرير محضر باختطاف الطفلة "في القسم رفضوا يعملوا لي محضر، وقالوا لي مفيش حاجة اسمها أب خطف بنته، قولي مثلًا أنه سرق دهبك ولا بدد القايمة، وهنا حسيت بذهول أكتر وخاصة لما واحد من أمناء الشرطة قالي يا مدام انتي خايفة من إيه؟ ما هو أبوها يعني مش مع حد غريب".

عادت الأم للمحاولات الودية، وتواصت مع والدة طليقها لإقناع نجلها بعودة الطفلة للأم "حماتي قالت لي إنها مش عارفة مكانه وإنها مش قادرة عليه ولا راضية باللي بيعمله، لكن مش عارفة تساعدني إزاي، أنا فضلت عايشة في الدوامة دي سنتين كاملين، ما بين أقسام ومحايلات وقرايب بيتدخلوا، كنت بموت كل ليلة وبنتي مش نايمة في حضني".

بعد مرور عامين تمكنت المحاولات الودية من جانب الأقارب بإقناع الأب بعودة الطفلة لوالدتها "بعد سنتين كاملين وافق إن البنت ترجع لي وده كان سن دخولها المدرسة ولأنه حس إنه داخل على مصاريف كتير وليلة مش هيكون قدها رجعها، وفضلت وقت طويل جدًا بحسن علاقتي بيها، علشان ترجع تحبني زي الأول أو تعرفني أصلًا، ودخلت في مشاكل جديدة مع طليقي بسبب النفقة اللي مبقاش بيدفعها بحجة إنه مش معاه فلوس".

الأزمة التي عاشتها عزة جعلتها تغير كافة العناوين الخاصة بها، ولم تخبر والد الطفلة بمكان مدرستها خوفًا من تكرار التجربة الأليمة مجددًا "مبقاش عندي ثقة فيه، غيرت عنواني ومعرفتوش مكان مدرسة البنت، ولما بيطلب يشوفها بكون معاها وفي مكان بره البيت علشان اللي حصل ده ميحصلش تاني، وللأسف مفيش أي ضمانات هترجع لي البنت لو وافقت إنها تروح تبات معاه يوم ولا اتنين، فده مش هيحصل أبدًا".

انحياز للرجال

القانون المصري يقر حضانة الطفل للأم ثم الجدة للأم، ثم الجدة للأب، ويأتي الزوج في المرتبة الرابعة وفقا للمحامية عزيزة الطويل، التي تؤكد أن هناك قضاه يتعاملون مع قضايا الحضانة والنفقة بانحياز للرجال "ده بيبان أوي في قضايا النفقة، الزوجة مثلًا مش من حقها الكشف عن حسابات الزوج في البنك، وبيطلب منها في الحالة دي تروح للمحامي العام تقدم طلب وممكن ميتوافقش عليه، ولو الزوج شغال قطاع خاص مش هتعرف تحدد مرتبه اللي بيتحدد على أساسه النفقة، وكتير من القضاة في قضايا الولاية التعليمية بيرفضوا إنها تكون للأم إلا في حالة الطلاق بس، وبيبقى السؤال هو الست عاوزة يكون معاها الولاية ليه وهي على ذمة الراجل".

معاناة عزة انتهت بعودة طفلتها، ولكن رانيا كامل من إحدى القرى التابعة لمحافظة أسيوط، بدأت معاناتها منذ أربعة أشهر، ولم تنته بعد، "ابني عنده 3 سنين، انفصلت عن جوزي من وقت ولادته ومعايا حكم حضانة، ومن أربع شهور مات طليقي، ولقيت باباه ومامته جايين يشوفوا الولد اللي عمرهم ما فكروا يسألوا عليه طول الـ3 سنين، دخلت أعمل لهم شاي وبطلع لقتهم خدوا الولد ومشيوا، ولما روحت البيت عندهم محدش رضي يدخلني وقالوا لي الولد مش هنا".

وتابعت "روحت القسم عملت محضر، لكن للأسف في البلد الناس كلها عارفين بعض، ولو أي أمين شرطة راح لأهل ابني هيدوله فلوس وهيقولوا له ده ابننا، وهيرجع القسم وخلاص، ومبقتش عارفة أعمل إيه، كمان أنا مش معايا فلوس علشان أقدر أوكل محامي كبير يتابع القضية، أنا كلمت جد الطفل نفسي أسمع صوته قفل في وشي السكة وقالي هنربي الولد مكان أبوه اللي مات، حرق قلبي على ابني اللي مليش غيره، ومش عارفة طفل في سنه ده هيعيش إزاي من غير أم تراعيه".

ترى لمياء لطفي عضو بمؤسسة المرأة الجديدة، أن هناك أزمة في تنفيذ الأحكام في مصر، وخاصة في قضايا الأحوال الشخصية، بسبب وجود وسائل كثيرة للتحايل لمنع تنفيذ الأحكام، ومنها الجملة المتعارف عليها "لم يستدل عليه"، إما من خلال تغيير محل الإقامة للأب، بجانب ذكورية منفذي الحكم "اللي بينفذوا الحكم أصلا بيكونوا منحازين للرجالة، وبيقعدوا يقولوا مصطلحات زي الراجل بيطلع عينه وبيدفع نفقة، فالمجتمع كله مش متعاطف مع قضايا المرأة في الأساس، وجهات تنفيذ الأحكام مبتبذلش مجهود كافي إنها تنفذ الحكم أو تدور على مكان الأب، وده دور المباحث مش دور الأم زي مبيطلب منها في أقسام الشرطة إنها تحدد مكان الأب والولاد".


اقرأ أيضًا: لترضى عنك حماتك والمجتمع: أمومة حتمية لكل النساء

 


هناك جهات عدة تشارك في تلك القضايا كما قالت لمياء للمنصة "ممكن نلاقي الأب منزل ولاده للجيران ومش راضي يوديهم لمامتهم وهنا الجيران بيكونوا مشاركين في الجريمة دي، لأن من الطبيعي إن الأم توصل لولادها بسهولة، ومش من الطبيعي إنها تفضل تلف في أقسام ومحاكم وضغط عصبي، ومعاملة غير آدمية، وتدور في أكتر من 20 محافطة على ابنها ولا بنتها".

حادثة الطبيبة أمينة تراها لطفي متكررة يوميًا، تقتل أمهات أحياء، وتمنع أخريات من رؤية أطفالهن بسبب ضعف آليات تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح الأم، وهو ما يتفق معه رئيس مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، المحامي رضا الدنبوقي، مشيرًا إلى ضرورة وجود عقوبة إما بالحبس أو الغرامة للممتنع عن تنفيذ حكم الحضانة، حماية للأطفال، وأيضًا حماية لحقوق الطرف غير الحاضن في الرؤية أو الاستضافة، لتكون مصلحة الطفل في المقدمة، موضحًا في حديثه مع المنصة أن الحضانة حق للمحضون وليس الحاضن، وهي في الأساس للحفاظ على مصلحته، متابعًا "تفعيل حق التقاضي في مثل تلك القضايا سيجعلنا نتفادى سفر  الصغار خارج البلاد مع الطرف غير الحاضن، نكاية في الصادر لصالحه حكم الحضانة".