عملت في مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب وكنت محامى حركة أطباء بلا حقوق، وكذلك مستشارًا قانونيًا لنقابة أطباء القاهرة قبل تفرغي للعمل وتأسيس مؤسسة الحقانية، العمل مع الأطباء عموما أكسبنى خبرات عظيمة في التشبيك بين دور المحامي والطبيبفي قضايا التعذيب والنضال القانوني للحق في الصحة لكل المصريين. وكذلك، التعرف عن قرب على شخصيات نبيلة من أطباء لهم من اسمهم نصيب ومنهم الطبيب طاهر مختار، وهو المحبوس على ذمة أكبر فضيحة قضائية منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الآن.
وشدّت قضية الدكتور طاهر مختار انتباه الجميع، ليس فقط من أجل التضامن معه، وهو مثله مثل كل الأطباء الوطنيين والذين سخّروا مهنتهم من أجل قضايا الحق في الصحة لكل المصريين، ولكن أيضًا هناك جانب إنساني هام هو الرعاية الصحية للمسجونين وضحايا التعذيب، ولعل أي محامٍ يلمس هذا الدور الإنساني الذى يقوم به طاهر، في إطار تكامل دور المحامي والطبيب في توفير الرعاية الصحية لأي سجين، وكذا توثيق الانتهاكات وفضح مرتكبيها في السلطة ومحاكمتهم.
آخر عمل كان يقوم به طاهر مختار قبل القبض عليه، كان زيارة محمد معوض، وهو مواطن معاق وأحد ضحايا التعذيب وأحد حالات مؤسسة الحقانية وهو يتلقى العلاج حاليًا بمستشفي المطرية، بعد إزالة جزء من المعدة نتيجة تعذيبه بقسم شرطة المطرية، وهو التعذيب الذي وثّقه طاهر مختار، بصفته عضو بلجنة الحريات بنقابة الأطباء.
قضية طاهر مختار ورفاقه قضية واضحة في التلفيق الفج، إذ تعدت التلفيق النمطي في الاتهامات حتى وصلت إلى اتهام الأمن الوطني بالـ"مشاركة (...) بأحداث العنف والتعدى على قوات الشرطة والتي شهدتها البلاد في أعقاب (أحداث) 25 يناير عام 2011 واستغلالهم لتلك الذكرى للسيطرة على القاعدة الجماهيرية لهدم مؤسسات الدولة".
رغم دلالته، لن نتوقف عند جزئية وصف الأمن الوطني لثورة 25 يناير بمصطلح "أحداث"، وهو ما تعودت عليه تحريات الجهاز على خلاف الدستور والقانون اللذان يصفا 25 يناير بالثورة، ولكن سنركز على أن ورقة رسمية من جهاز، تحدد مصير ومستقبل شباب مظلوم، ورقة تؤكد ما نتحدث عنه في مسلسل الاغتيال المعنوي للمدافعين عن حقوق الانسان، واتهام كل من شارك في ثورة 25 يناير بالسعي إلى "هدم مؤسسات الدولة "، خاصة في ظل انعدام أي أدلة في الحديث عن الاعتداء على مؤسسات الدولة أو الشرطة في ثورة 25 يناير 2011.
مجرد كلام مرسل لا يستند لمحضر أو تحقيق أو حكم صدر على سبيل المثال ضد طاهر ورفاقه، ولكن قراءة أداء الأمن الوطني، ستؤكد أن غريزة الانتقام وتصفية الحسابات مع كل من شارك في الثورة هو العنوان.
ولعل التحريات المفضوحة أول رد رسمي يوضح نظرية الأمن الوطني التي تزعم أن كل من شارك في ثورة 25 يناير "اعتدى على مؤسسات الدولة" و"خرب" و"أتلف" والخ من الاكلشيهات التي تعج بها قضايا المتظاهرين منذ ثورة يناير حتى الآن، بالإضافة إلى شاشات بعض المخبرين الإعلاميين والتي تتعزز يومًا بعد يوم، حتى وصلت إلى درجة التحريض على العنف، ولذلك لم يكن صدفة ظهور هاشتاج "أنا شاركت في ثورة يناير" والذي حقق صدى واسعًا للرد على عبث تحريات الأمن الوطني.
في جلسة الاستئناف الماضية كنت متفائلًا بإخلاء سبيل طاهر ورفاقه لأن القاضي أحمد سمير هو من سينظر استئناف قرار الحبس، وهو صاحب سابقة جيدة عندما حكم ببراءة أعضاء حزب التحالف الشعبي.
وأثناء الترافع أمامه قرأت في عينيه قرارًا بإخلاء سبيل طاهر ورفاقه، عندما سألهم "وأنا لما أخلى سبيلكم حجيبكم منين؟"، ولكن للأسف في نهاية الجنلسة رفض الاستئناف وأيد قرار حبسهم.
مع ذلك، مازلت متفائلًا بخروج طاهر ورفاقه، ومعركة خروجهم مثل معارك خروج جميع المظاليم، ولكن أضف لذلك معركة حماية المدافعين عن حقوق المصريين وضحايا التعذيب وانتصار كل ما هو طاهر ونبيل من المشاركين في ثورة يناير على التعذيب والكذب والتلفيق.
الحرية لطاهر مختار ورفاقه.