في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، هبطت طائرة كانت قادمة من السودان ومتجهة إلى تركيا اضطراريًا في مطار الأقصر، نتيجة مشكلة فنية، اختلفت الجهات الرسمية في تحديدها، بين عطل في منطقة مقاعد الركاب أو في مخزن الحقائب، لكن الثابت أن راكبًا على متن تلك الطائرة ألقي القبض عليه بمجرد نزولها إلى الأراضي المصرية.
كان المصري حسام سلام، الشهير بحسام المنوفي، الذي يعمل ويعيش في السودان منذ 2016، في طريقه من الخرطوم إلى إسطنبول، لكنه خضع إلى تحقيق من قبل السلطات السودانية داخل صالة الجوازات قبل أن يصعد لطائرته، التي هبطت في الأقصر، لتتلقفه قوات الأمن المصرية وتلقي القبض عليه.
تفسر أسرته أسباب القبض على المنوفي بأنه كان من المعارضين للنظام المصري في الفترة ما بين يونيو 2013 وحتى 2016، عندما كان طالبًا في كلية الهندسة بجامعة المنوفية، لذلك قرر الانتقال للعمل في السودان خشية التنكيل به في مصر، وبعد ثلاثة أيام من ذلك قررت النيابة حبس المهندس الذي وصفته بـ"أحد مؤسسي حركة حسم الإرهابية"، 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 64 لسنة 2017 جنايات شمال القاهرة العسكرية، المعروفة إعلاميًا بمحاولة اغتيال النائب العام المساعد زكريا عبد العزيز.
وفي 1 فبراير/ شباط الجاري، نشرت الجريدة الرسمية قرارًا لوزير الطيران المدني، بإلزام جميع شركات الطيران العاملة بمصر، بتقديم معلومات مسبقة عن الركاب وجميع المسافرين على متن رحلاتها الجوية من وإلى وداخل الدولة بما فيه بيانات أطقم تلك الطائرات، القرار الذي حمل رقم 1083 لسنة 2021، ثبت أنه صدر بتاريخ بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، الأمر الذي يثير الدهشة، لأن القرارات الحكومية لا تسري إلا من بعد تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية لا بتاريخ صدورها، حيث يتحقق علم المواطنين بها بالنشر لا بالصدور، فلماذا تأخر نشره شهر كامل، وهل للقرار علاقة بواقعة حسام المنوفي أو ما يشابهها؟
تؤكد مصادر بوزارة الطيران المدني تحدثت إليها المنصة أن قائمة بيانات الركاب أو ما يعرف بالـ passenger manifest التي تشمل أسماء الركاب لكل رحلة وجنسياتهم، سترسل إلى الجهات الأمنية بالمطار، حتى يتنسى لها مضاهات تلك البيانات بما تتلقاه من إخطارات بالمطلوبين أمنيًا أو الممنوعين من السفر بموجب قرارات قضائية أو من ينتظر صدور قرارات بمنعهم من السفر، وذلك لاستيقافهم وتنفيذ تلك القرارات.
كذلك فإن القرار، حسب تأكيد المصادر، سيسرع من عملية منح تأشيرات الدخول للركاب غير الحاصلين عليها، حيث سيتم استخدام بياناتهم في إصدارها بصورة مسبقة، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أن ذلك القرار الجديد ليس طارئًا، وإنما كانت تُطالب به شركات الطيران في السابق دون صورة ملزمة، ولهذا السبب، فإن المصادر، تربط صدوره في الوقت نفسه بعملية التحول الرقمي التي تتبناها الدولة حاليًا، على نحو يضمن تحصيل مستحقاتها المالية من شركات الطيران ويحفظ مواردها المرتبطة بالدعم المالي الذي تقدمه وزارة السياحة لبعض تلك الشركات.
تُحصّل وزارة المالية ضرائب على كل راكب قادم للبلاد أو خارج منها، وتحجب بعض الشركات المعلومات عن ركابها للتهرب من سداد تلك المستحقات الضريبية، كذلك تقوم وزارة السياحة، بهدف الترويج لزيارة مصر، بدعم شركات الطيران، وذلك في الحالات التي يكون فيها لدى الوزارة الرغبة في إتمامها دون أن يكتمل عدد الركاب فيها، مثل أن تكون هناك رحلة تتسع لـ180 راكبًا لكنها لا تضم سوى 140، فإن الوزارة تتكلف بسداد قيمة الـ40 راكب الناقصين في مقابل استمرار الشركة في إجراء تلك الرحلة، مما يفتح الباب أحيانًا، حسب المصادر، للتلاعب حين تدعي الشركة أن المقاعد الفارغة أكبر من الحقيقي لتحصل على دعم أكبر.
لكن الأسباب الأخيرة تحديدًا يمكن معالجتها بطرق أخرى لا تتضمن حصول السلطات المصرية على سجل كامل ببيانات جميع الركاب وجنسياتهم، فضلًا عن أن حيثيات القرار الذي سينفذ بشكل إلزامي ابتداءً من أول مارس/آذار المقبل، تتضمن بنودًا أخرى تصب في صالح منح صلاحيات أمنية أكبر تتجاوز ربما القطر المصري.
السيطرة أرضًا وجوًا
لم يستثن قرار وزير الطيران المدني أية شركات من تطبيقه سواء كانت مصرية أو دولية، ولم يستثن أيضًا الرحلات الجوية العارضة التي تستخدم مطارات الجمهورية في الترانزيت.
كما نص القرار على أن يتم تقديم البيانات المسبقة والنهائية للركاب لجميع الطائرات المغادرة من مطارات الجمهورية بشكل متزامن مع إنهاء إجراءات سفر الركاب، وفي مهلة أقصاها خمس دقائق من وقت إنهاء تلك الإجراءات.
ووفقًا للقرار فستقدم البيانات النهائية للركاب لجميع الطائرات القادمة إلى مطارات الجمهورية في مهلة لا تتجاوز وقت إقفال أبواب الطائرة قبل إقلاعها، كما ينص القرار على أن تلتزم جميع شركات الطيران والوكلاء العاملين في مطارات الجمهورية بأن تقدم بيانات سجلات أسماء الركاب القادمين والمغادرين من وإلى الجمهورية قبل اثنين وسبعين ساعة من إقلاع رحلاتها.
كما نص القرار على أن يُحصّل رسمًا للاستعلام المبكر عن كل راكب قادم إلى/ أو مغادر من/ ترانزيت أو محول إلى جمهورية مصر العربية، قدره 1.99 دولار أمريكي لغايات تطبيق وتنفيذ وتشغيل النظام الإلكتروني الخاص بذلك.
ووضع القرار غرامة مالية على من يتأخر في تسليم بيانات ركابه خلال المهلة المحددة، تتراوح بين عشرين إلى خمسين ألف جنيه مصري كحد أقصى عن الرحلة الواحدة.
.. وخارج الحدود
يحمي القرار بيانات الركاب وفقًا لأحكام قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020، وتسري عليه أحكام التشريعات النافذة في هذا الشأن، لكن للسلطات القدرة والحق في تنفيذه على الشركات غير المصرية؟ بمعنى آخر هل مصر وحدها هي من يفرد بذلك القرار الجديد؟
يشير القرار إلى استناد وزارة الطيران المدني في إصداره إلى القواعد القياسية الواردة بالفصل التاسع بالملحق التاسع لاتفاقية شيكاغو 1944، وفضلًا عن ذلك تؤكد المصادر التي تحدثت إليها المنصة أن هناك دول أوروبية كثيرة، من الموقعين على تلك الاتفاقية، وتفعل القواعد ذاتها في مطاراتها.
وقالت المصادر إن مصر لا تستطيع في ظل تعاملها مع شركات طيران دولية كبرى خاصة وحكومية، أن تصدر قرارات على هذا النحو وتطبقها بإرادة منفردة، أو أن تعامل هذه الشركات بقرارات غير متوافقة مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بتنظيم عمل مرفق الطيران.
وعلى الصعيد العربي، ناقشت المنظمة العربية للطيران (الإيكاو) موضوع تبادل بيانات الركاب خلال منتدى نظمته بالمشاركة مع جهاز الإنتربول الدولي في 27 و 28 مايو/آيار الماضي، ووفقًا للمنظمة فإن المنتدى استهدف البحث عن طرق أكثر كفاءة وأمانًا لتحديد ومعالجة بيانات المسافرين من خلال تسخير القدرات والفرص التي تتيحها التقنيات الجديدة والناشئة.
ويشير موقع المنظمة إلى أن المحاورين في المنتدى المنتمين إلى لجنة مكافحة الإرهاب، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ركزوا خلال مناقشاتهم على عدد من المبادئ الأساسية لتبادل بيانات الركاب، أهمها توضيح الإطار العالمي المعزز لجهود الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وبرنامج السفر لمكافحة الإرهاب الذي أعدته الأمم المتحدة، إلى جانب عقوبات الأمم المتحدة وتقييمات التهديدات.
كما ركز المنتدى على التطبيقات القابلة للتشغيل البيني لتحسين مراقبة الحدود، من خلال مناقشة المواضيع المتعلقة إتاحة نظم المعلومات المسبقة بالمطارات في نافذة واحدة لبيانات الركاب، و الاستخدام الفعال من قبل الانتربول للمعلومات المسبقة عن الركاب من أجل نهج متكامل لإدارة الحدود.
تواجه مصر أخطارًا أمنية، وتدخل قواتها العسكرية في معارك لمحاربة الإرهاب في سيناء وغيرها من مناطق، لكن هؤلاء المجرمين في الغالب لا يستخدمون وسائل المواصلات أو الاتصال النمطية، ورغم أنه مستخدم في بعض البلاد كما تقدم، فلماذا تأخرت مصر في تنفيذه مثلًا؟
يثير القرار أسئلة كثيرة حول الغرض من تنفيذه، وارتباط ذلك بتوقيف الكثير من المعارضين السياسيين الذين يتم إلقاء القبض عليهم لدى وصولهم إلى مصر، وإن كان يهدف إلى مد الذراع الأمني كي يطول أيضًا من يمر بسماء الدولة أو ينزل على أرضها لصدفة طارئة مثل الترانزيت، أو الهبوط/ الإنزال الاضطراري مثل ما حدث مؤخرًا مع حسام المنوفي.