منصة شاهد
فتحي عبد الوهاب في مشهد من مسلسل وعد إبليس

دراما اللعب مع الشيطان

منشور الاثنين 31 أكتوبر 2022 - آخر تحديث الجمعة 2 ديسمبر 2022

يبدأ مسلسل وعد إبليس، الذي انتهى مؤخرًا عرض جزئه الأول على منصة شاهد، بفرضية لا تتفق، ليس فقط مع منطق الواقع، ولكن مع منطق الغيبيات الذي يحكم العمل بالأساس.

يسعى البطل إبراهيم/عمرو يوسف إلى انقاذ حياة زوجته المريضة زينة/عائشة عبد الرحمن بأيّة وسيلة، فيعقد صفقة مع الشيطان/فتحي عبد الوهاب يتنازل بموجبها عن روحه وحياته مقابل حياة زوجته، وينتهي العمل بصفقة أخرى يتراجع بموجبها إبراهيم عن قتل "ابن الشيطان" مقابل مد عمره سنة إضافية.

في حكايات الصفقات بين الإنسان والشيطان، ووفقًا للميثولوجي الإبراهيمي، يملك الشيطان العالم الأرضي بمادياته ومتعه، ولكنه لا يملك التحكم في الأعمار، فهذا تحديدًا امتياز إلهي حصري لا يملك كائن آخر، حتى لو كان الشيطان، أن يتدخل فيه.

رغم براعة تنفيذه، يعاني المسلسل من ذلك التشوش الناتج عن الاهتمام بالشكل والجزئيات الصغيرة على حساب المضمون والأفكار، ومن الخلط بين أنواع الفانتازيا الدينية والرعب والجريمة، وكل منها له رؤيته ومعتقداته الخاصة عن العالم والصراع بين الخير والشر. فيخلط، مثلًا، بين فكرة التحالف الذي يعقده الإنسان مع الشيطان، بإرادته وكامل وعيه، والجن الذي يتلبس جسد الإنسان رغمًا عن إرادته.

والفارق كبير بين معالجة الفكرتين. ففي الأولى يتحمل الإنسان مسؤولية أفعاله وعواقبها، وفي الثانية يصبح ضحية تحتاج إلى المساعدة الخارجية. والفكرتان مختلطتان في  مسلسل وعد إبليس، حيث يبدو وكأن البطل خدع رغمًا عنه ودون علمه بما يفعل.

الوعد.. والموعد

تشغل قصة فاوست، الذي عقد صفقة مع الشيطان، خيال المؤلفين في الغرب والشرق منذ مئات السنين، وهي ذات جذور في فولكلور العصور الوسطى الأوروبي، وبعض أصدائها موجود في حكايات ألف ليلة وليلة، التي يعقد العديد من شخصياتها صفقات مماثلة مع كائنات مثل الجان والسحرة، تنوب عن إبليس، الذي قلما يظهر بنفسه في التراث العربي.

واحدة من تلك القصص الشعبية ظهرت في ألمانيا حول طبيب يكرس جل حياته للعلم، لكنه يبيع روحه للشيطان/مفيستوفيليس مقابل استعادة الشباب ومتع الحياة، وقد عرفت طريقها إلى الأدب الرفيع على يد اثنين من كبار الأدباء الأوربيين وهما الإنجليزي كريستوفر مارلو في مسرحيته التاريخ المأساوي لحياة وموت الدكتور فاوستوس، والألماني يوهان فولفجانج جوته في مسرحيته فاوست، ومن بعدهما قدمت في مئات المعالجات الأخرى في كل الوسائط الفنية من الأوبرا إلى السينما والتليفزيون.

https://www.facebook.com/RotanaClassic/videos/1704483999662459/

في السينما المصرية عولجت القصة أكثر من مرة، لعل أقدمها فيلم سفير جهنم (1945)، من إخراج وتأليف يوسف وهبي، ولعل القارئ يعرف أن من لعب دور الشيطان هو يوسف بك وهبي بنفسه. وحتى لا يترك مجالًا للشك، يبدأ الفيلم بفتاة تسأل أمها عن كتاب تقرأ فيه فتخبرها الأم أنه قصة سينمائية للأستاذ يوسف وهبي، في قالب شبه شعري، يعتمد على الكلام المقفى على طريقة الأدب الشعبي القديم، يقوم الشيطان بإفساد عائلة مدرس مستقيم الأخلاق، لديه زوجة مريضة وابنة وابن مستهترين، ليتبين في النهاية أن كل ما حدث كان مجرد حلم.

من المعالجات الشهيرة أيضا فيلم موعد مع إبليس (1955)، من إخراج كامل التلمساني عن سيناريو للصحفي جليل البنداري، الذي لعب فيه زكي رستم دور الدكتور، ومحمود المليجي دور الشيطان. وفيلم المرأة التي غلبت الشيطان (1973)، من إخراج يحي العلمي عن قصة لتوفيق الحكيم، تحول فيها الدكتور فاوست إلى امرأة، نعمت مختار، والشيطان إلى عادل أدهم. ومنذ عدة سنوات تحولت إلى مسلسل بعنوان ونوس، كتبه عبد الرحيم كمال، ولعب بطولته يحيى الفخراني في دور الشيطان.

ولكنه هنا بعيد عن مفيستوفيليس، رجل الأعمال الذي يعقد الصفقات مع الطماعين، وأقرب إلى الوسواس الخناس الذي يخدع السذج والأبرياء، والفارق بين الاثنين كبير، في المعالجة الأولى يكون الإنسان مسؤولًا عن اختياراته وعواقبها، بينما في الثانية يكون ضحية، أو منافق، يعلق أخطاءه على الشيطان، أو كما يقول إبليس على لسان فتحي عبد الوهاب "لازم تلاقوا شماعة تعلقوا عليها بلاويكم".

من الطريف أن الأعمال القديمة، مثل موعد مع إبليس، تميل إلى المعالجة الأولى، حيث يتخذ الأبطال قراراتهم عن وعي بنتائجها، بينما تميل الأعمال الحديثة، مثل وعد إبليس إلى اعتبار الأبطال ضحايا أبرياء. وهو اختلاف دال يعكس ثقافة تميل إلى التبرؤ من مسؤولية أفعالها، وإلى التهرب من المواجهة، ومن معالجة الموضوعات الدرامية بجرأة كافية، بل إن الفارق يظهر أيضًا في عنواني العملين، فموعد تعني اتفاق الطرفين على اللقاء، بينما وعد تلقي اللوم على صاحب الوعد الزائف.

إنتاج عربي بمواصفات أمريكية

وعد إبليس من إخراج وتأليف الإنجليزيين، المخرج كولين توج، الذي صنع من قبل المسلسل السعودي الناجح رشاش، وعدد من الأفلام والمسلسلات الأمريكية متراوحة المستوى، والتأليف لتوني جوردون، الذي كتب من قبل ثلاثية الميراث، وعهد الدم، ويشاركه الكتابة إنجي لومان فيلد وسهى آل خليفة.

بجانب المخرج والمؤلف يضم العمل في فريق الممثلين الأمريكية باولا باتون، التي ظهرت في أفلام منها ديجا فو، وهيتش، ومهمة مستحيلة، وهي تلعب هنا دورًا رئيسيا في المساحة والتأثير الدرامي. وبجانب باولا وعمرو يوسف وفتحي عبد الوهاب وعائشة عبد الرحمن، يضم العمل عددًا آخر من الممثلين المتميزين منهم نيللي كريم ويعقوب الفرحان كضيفي شرف.

ولكن كالعادة، وفي قصة كتلك، يتمحور العمل حول عمرو يوسف في دور الرجل الذي يتعاقد مع الشيطان، وفتحي عبد الوهاب في دور الشيطان، وكالعادة أيضًا فإن دور الشيطان هو الأكثر لمعانًا وإبداعًا بالنسبة للممثل.


لطالما تألق كبار الممثلين في دور الشيطان: جاك نيلسون، روبرت دي نيرو، آل باتشينو، وقبلهم جميعا إيميل جانينجس في النسخة الأولى من فاوست (1926). وفي السينما المصرية يوسف وهبي، محمود المليجي، عادل أدهم، يحي الفخراني، وطارق لطفي في دور خلدون في مسلسل جزيرة غمام في رمضان الماضي، ثم فتحي عبد الوهاب، الذي يحاول هنا أن يمنح الشخصية عمقًا فكريًا مختلفًا، حتى إنه يقتبس من أشعار أمل دنقل "من قال لا في وجه من قالوا نعم".

وبما أن كاتب السيناريو إنجليزي، أعتقد أن ذلك الاقتباس من بنات أفكار عبد الوهاب نفسه، أو سهى آل خليفة العربية المشاركة في الكتابة، وفي الحالتين فهو اقتباس غريب يأتي في لحظة غريبة من المسلسل، يقوم فيها إبراهيم بزيارة إبليس في جهنم.

بجانب شيطان عبد الوهاب يضم وعد إبليس شيطانًا أكثر حداثة هو أحمد مجدي في دور ابن الشيطان المتخصص في إفشال العلاقات الزوجية. وعلى عكس فتحي عبد الوهاب يؤدي أحمد مجدي الشخصية بهدوء ونعومة ثعبانية، ربما تكون أكثر رعبًا وشيطانية من أبيه.