تمشية في الذكريات مع كمال القلش
أتيت بكمال، وألبسته ملابسه كما كنت أفعل ونحن في لندن في شقة حسام عبد الله، بعدما خرج كمال من عملية القلب المفتوح وبقي في لندن حوالي عشرة أيام نقاهة، وتحت المراقبة. أعطانا حسام شقته: غرفتين نوم وصالة صغيرة معقولة. كانت الشقة في منطقة راقية اسمها برتسربر. ملأ حسام وزوجته مديحه الثلاجة بالأكل.
دفع لي حسام ثمن التذكرة من أمستردام للندن فلم يكن معي مالًا، وكنت زرت لندن قبل العملية، وأجّرت أنا وسعد هجرس غرفة في أشخاص إنجليز لا نعرفهم، أوصلتنا بتلك الغرفة سعاد الجزايري، وهي عراقية، ودفعنا أجر معقول جدًا: عشرة إسترليني لنا نحن الاثنين مع الإفطار.
كانت دنيا، بنت كمال الصغيرة، اتصلت بي من القاهرة بالتليفون، وقالت "والنبي يا عمو تروح لندن وتقعد مع بابا وهو بيعمل العملية عشان ميزانية العملية من الوزارة مفيهاش مُرافق". وافقت، علمًا بإني أيضًا وقتها لم يكن معي مالًا، لكن زوجتي آنا ماريكا سهّلت الأمور كعادتها.
المهم، بعد انتهاء العملية، أنا وسعد أخذنا كمال لشقة صادق الصايغ، صديق كمال منذ أيام عمله في بغداد. انتقل صادق إلى لندن بعد مذابح الشيوعيين في العراق أيام صدام، واستقر فيها مع ابنه وابنته وزوجته سعاد الجزايري. لكن بعد طلاقهما استقر كل منهما في شقة؛ البنت مع سعاد والولد المراهق، أحيانًا مع صادق.
بقيت عدة أيام مع سعد في الغرفة، إلى أن قال سعد إنه مطلوب من جهة عمله في القاهرة ومضطر للعودة.
أعرف كمال من أيام حبسة الواحات.. تقريبا عام 1962، حينما حُكم علينا في محكمة عسكرية في الإسكندرية، وتم ترحيل كل المتهمين في القضية لسجن الواحات، وجاء نصيبي في الزنزانة التي يسكن فيها كمال، وتعبير "يسكن" هو تعبير المساجين والسجن أيضًا. وهو ما يعني أني عرفت كمال في 1962، وبقينا أصدقاء حتى وفاته.
عرّفني كمال على صنع الله إبراهيم الذي يعرفه قبل السجن. وبعد السجن رحنا ثلاثتنا يملأنا الأمل إلى أسوان، وكتبنا كتابًا مشتركًا عن السد العالي اسمه "إنسان السد العالي" صدر عن هيئة الكتاب..
مات كمال وأنا في هولندا..
مات كمال قبل أن يرى الثورة؛ أي ثورة خمسة وعشرين يناير.
كنت في هولندا حينما اندلعت الثورة، وجئت إلى مصر بعد خلع مبارك مباشرة. وإن كنت تابعت وقائعها من أول يوم على التليفزيونات العالمية.
أذكر أني التقيت صنع الله حينما وصلت مصر، ووجدته "مكتئبا " كعادته. سخرت من اكتئابه كعادتي بينما استهجن هو تفاؤلي.. قلت له: أنا مبسوط عشان شفت مبارك في القفص وناس من زمايلنا وأصحابنا ماتوا قبل ما يشوفوا المشهد ده.. زي كمال.
كنت أقابل دُنيا ابنة كمال لأننا نتحرك في نفس الدوائر.. كنت قريبًا منها أيام ما كنت أزور كمال في بيته بعد طلاقه.
فكرة الزواج للمساجين السياسيين تحديدًا هي فكرة مُلحة وغريبة في الوقت ذاته. أنا مثلًا تزوجت ثلاثة مرات وطلقت مرتين.
كلنا لما خرجنا من السجن كان الزواج هاجسنا بدرجات متفاوتة. لكن هاجس الأنثى كان مُلحًا. فشخص مثل كمال قضى ما يقرب من ثمان سنوات متعاقبة في السجون والمعتقلات المصرية، أي سرقوا ثمان سنوات من شبابه لم يشم فيها رائحة امرأة، ليخرج من السجن في نهاية العشرينات من عمره أو بداية الثلاثينات "عذراء ".
لايختلف الحال كثيرًا عنّي أو عن صنع الله إلا في سنوات السجن المتصلة.
نخرج من السجن نبحث عن أنثى "ونسقُط" في حبها حتى لو كنا نعرف بثقة أنها لا تحبنا.. مش مهم.
هكذا أقمنا علاقات لا تنتهي إلى شيء. بعضها ضاحك وبعضها حزين، لكن النهاية واحدة.
لكن قبل الزواج وبعد الخروج مباشرة من السجن، سنواجه كلنا بخيبة أمل أساسية وقاسية في كل ما كنا نؤمن به وسُجِنَّا من أجله. أي أفكارنا السياسية عن الشيوعية إجمالًا، وعن الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية خاصة. كذا في رؤيتنا للشعب المصري.
ثلاثتنا ذهبنا لنعمل، أو ندرس، في المنظومة الشيوعية. كمال إلى ألمانيا الشرقية ليعمل في مجلة "المجلة" وهي مجلة دعائية. وصنع الله إلى موسكو ليدرس سينما، وأنا إلى وارسو لأدرس مسرح.
شهدنا "بطن ومصارين" الأحزاب والمؤسسات الشيوعية، وشهدنا أيضًا قمع الحريات والسجون والرعب من الأجهزة الأمنية المتلصصه على كل فرد وكل شيء.
ارتحلنا في بلاد عربية وإفريقية تدعي أنها اشتراكية ماركسية مثل اليمن الجنوبي، والعراق في عهد الجبهة الوطنية بين البعث والشيوعيين، وإثيوبيا في عهد حكم منجستو هيلا مريام.. إلخ.. إلخ
قائمة متصلة من بلاد وأنظمة وخيبات عامة، وخيبات شخصية.
إذن خابت آمالنا في الشيوعية. وبدرجات متفاوتة. كان كمال أقلّنا إحساسًا بالخيبة، أو الاعتراف بها. بعد حل الحزب، والذي كان إطلاق سراحنا من معتقل الواحات مشروطًا بحلّه. التقيت بكمال في العراق بعد عدة سنوات، ليعرض عليّ، مرة أخرى، الانضمام إلى الحزب السرّي، مرة أخرى، فأنضم دون تردد.
كنت أبحث أيضًا عن ملاذ نفسي آمن وسط رفاق الماضي. ورفاق السجن. وتزامن هذا مع فشل تجربة زواجي الأولى.
عاد صنع الله من موسكو بدون "دبلومة"، ليعيش ويعمل في القاهرة ويتزوج أيضًا.
نشر صنع الله روايته الأولى "تلك الرائحة" من دار الثقافة الجديدة، فصادرتها الرقابة، لينشرها مرة أخرى من بيروت. وحينما أسست "دار شهدي" في القاهرة عام 1982، نشرتُ "تلك الرائحة" لأول مرة في مصر كاملة، بعد حوالي ثماني عشر سنة من صدورها الأول في القاهرة ومصادرتها.
تدريجيًا، سأكتشف أن الكتابة هي الملاذ الآمن. ليس الحب ولا الزواج ولا إنجاب الأولاد ولا الحزب ولا الجنس ولا العمل ولا النقود أو السمعة والشهرة والجوائز..إلخ. بل الكتابة بحلوها ومرها..
سيخلو صنع الله إلى نفسه ويكتب في شقته الصغيرة مبتعدًا عن كل ما يُشتت انتباهه وتركيزه في الكتابة، سيتعايش في الحياة ومع الحياة بالحد الأدنى من الاستهلاك المادي اليومي.
سيكون كمال قد كتب روايته الوحيدة القصيرة "صدمة طائر غريب"، وتجربة رحلته الأولى إلى ألمانيا الشرقية ليشتري سيارة فولكس فاجن مستعملة يرجع بها إلى مصر، وهذا حوالي عام 1966. كان وقتها ما يزال يعيش في كنف عائلته فيما يطلق عليه كمال "البيت الكبير".
وستهل علينا سنة الهزيمة في 1967، وسيسافر صنع الله بعدها إلى بيروت ومنها إلى ألمانيا الشرقية ليعمل أيضًا في وكالة الأنباء الرسمية هناك، ويشارك اثنين آخرين شقة صغيرة ألمانية من ثلاث غرف للنوم. وسأزوره أنا حينما أحصل على منحة لدراسة المسرح في وارسو، ويكون هو يكتب أثنائها روايته الثانية "نجمة أغسطس".
لم يعد كمال ثانية للكتابة إلا قبل سنوات قليلة من وفاته، بعد أن لزم شقته في مدينة نصر إثر عملية القلب المفتوح، حيث بدأ يكتب أجزاء من سيرة حياته وينشرها في جريدة "القاهرة" الأسبوعية. ولم ينه ما كتبه إذ مات أثناء الكتابة.
أعتقد أن "أزمة" كمال المركبة بدأت منذ أن تركته "صديقته" لتتزوج شخصًا ثريًا. وكان كمال لا يملك شيئًا، لا يملك حتى عملًا ثابتًا.
هكذا يحاول كمال أن "يتأقلم" بشروطه مع واقع لا يعرف عنه كثيرًا ولم يعايشه.. هو يرى نفسه مُطالبًا أمام أسرته بأن يثبت لهم أنه لم يخب.. فهو تم اعتقاله وهو ما يزال طالبًا بالحقوق مثل صنع الله، ولم يُكملا دراستهما أبدًا بعد ذلك.
عمل في عمل متدني في السلك القضائي "كاتب محكمة"، أو هذا ما قاله لي، ومنها إلى المعتقلات. شقيق كمال الأكبر تدرج في السلك الوظيفي حتى وصل إلى منصب "وكيل وزارة"، لكن كمال بالنسبة للعائلة "خريج سجون" ولم يكمل دراسته.
من هنا، في اعتقادي، حاول كمال أن يندمج مرة أخرى داخل الأسرة، وأن يجعلهم يقبلوه. وأن يندمج في علاقة عاطفية وأن تكتمل بالزواج، وأن يصبح "صحفيًا" بأسلوب متميز، وأن تقبله صحافة عبد الناصر، ولم يحدث كل هذا.
كنت أنا وكمال نعمل "مراجعين" بالقطعة في مجلة آخر ساعة بعد إطلاق سراحنا، وكان ذلك نتيجة لعلاقة كمال الشخصية مع صلاح حافظ، الماركسي والسجين السابق، رئيس التحرير. لكننا وجدنا أنفسنا ذات صباح ممنوعين من دخول مبنى المؤسسة بعد أن أقال السادات مساءً محمود أمين العالم رئيس مجلس الإدارة، وبالتالي تمت الإطاحة في الصباح بالماركسيين الضعفاء؛ أمثالنا أنا وكمال.
سيحاول كمال بجهد بالغ بعدها أن يلتحق بجريدة الجمهورية المصرية. لتأخذه رحلة البحث عن النقود إلى العراق، ومن العراق إلى ألمانيا الشرقية في رحلة بحث عن هوية سياسية ويقين زائغ ضائع. وسألتق به بعد ذلك في ألمانيا الشرقية في شقته بالغة الصغر، وهو يدخل في مرحلة من مراحل الاكتئاب وفقدان اليقين على كل المستويات، بما فيها الشخصي.
لم يعد لدينا يقين، حتى ما يساوى حبة خردل. سيكتب صنع الله "سوداوياته السياسة"، كما أُطلق عليها أنا، مُعريًا الطبقة الوسطى في "ذات"، ثم سيستقيل من الثورة في "وردة"، وكان قبل ذلك كتب "بيروت.. بيروت" عن اندحار الثورة الفلسطينية، وقبلها "اللجنة" عن الاندحار الشخصي، وكيف أن العقوبة التي قررتها "اللجنة" على الشخصية المحورية؛ هي أن يأكل بعضه(!)
كنتُ قد تركت العراق حيث عملت لثلاث سنوات في مؤسسة السينما والمسرح. أترك العراق وصدام حسين ومذابحه للشيوعيين لأعمل صحفيًا في بيروت في جريدة السفير. وسيأتي صنع الله إلى بيروت لينشر "اللجنة" في السفير، ويجمع مادة "بيروت ..بيروت"، ونلتقي ليظهر لي صنع الله للمرة الأولى سوداويته وبارانوِيِّتِه/جنون الاضطهاد، وكآبته التي وصلت به ومعه إلى مرحلة مرضية.
نصل إلى مرحلة منتصف العمر. حيث ينظر الواحد إلى الوراء فلا يجد أنه حقق شيئًا من أحلامه، وينظر إلى الأمام فلا يجد إلا مزيد من عدم التحقق.
تلاحقنا الأمراض.. أجسادنا تفشل هي الأخرى في أن تلبي طلباتنا بعدما خابت آمالنا في السياسة وفي العلاقات النسائية. ولم تبق سوى صداقة "قلقة" بيننا. نحن مثال لجيل كامل يشبهنا.
أمُر بطلاقي الثاني وأنا في بيروت. أرجع إلى القاهرة بعد غيبة متواصلة لاثنتي عشر سنة. لم أكن أريد الرجوع إلى مصر بعدما وجدت لبنان، البلد الذي يوفر لي ما أريده في البلدان "الجسر بين عالمين ..الشرق والغرب"، بلد بلا حكومة ونظام سياسي قمعي مثل مصر وسوريا والعراق وكل الدول العربية. بلد النشر والموسيقى والحرية.
لكن حرب شارون على منظمة التحرير الفلسطينية في يوليو/تموز 1982، أجبرتني على العودة إلى مصر، فلم أكن أريد أن ألتحق بالفلسطينيين في منافيهم. كان شعاري ولا يزال "أتعاطف مع الفلسطينيين ولكن لا أعمل معهم أو عندهم".
هذه الجردة السريعة لرحلة حياة وحيوات متشابهة، الهدف منها استكشاف التحولات في أصحاب الرحلة. فأنا حينما ارتبطت بالهولندية التي أصبحت زوجتي فيما بعد، وأنجبنا بنتًا وولدًا، قررت الإقامة في هولندا لأسباب بسيطة وواضحة: لم يعد يربطني بمصر كمكان شيء هام، أو حساس أو عاطفي. وهذا اكتشاف اكتشفته منذ بداية قدومي إلى مصر من السودان. مصر بالنسبة لي كصبي ومراهق وشاب كانت هي المكان الذي يعيش فيه أخوالي وخالاتي الذين أحبهم.
ثم مصر هي التي سرقت من عمري أربع سنوات في المعتقل والسجن.
السودان ثم لبنان هما البلدان العربيان اللذان أحب أن أعيش فيهما براحتي.. لكن مصر: لأ!!
هكذا سآتي إلى مصر "مجبرًا " لأؤسس دار شهدي للنشر، بإيعاز من أرملته روكسان، وستشاركني ابنتها حنان في الإدارة بضع سنوات، ثم نُغلق الدار بعد موت روكسان وأذهب لأقيم في هولندا بصفة نهائية مع إجازات سنوية في مصر.
كنت بدأت أكتب بعد عودتي الاضطرارية من بيروت في رواية "بيضة النعامة"، التي أعدت كتابتها مرّات متعددة وأنا في هولندا، وطلبتُ من كمال وصنع الله مراجعة ونقد ما كتبت.
كنت أكتب عن نفسي، وعن عائلتي، وعن السودان وعن الأقباط المسيحيين المصريين وعن الجنس باعتباره خيطًا جامعًا بين الشخصية المحورية؛ "أنا بضمير المتكلم"، وما يحدث له خلال رحلة حياة طويلة.
كتبت عن الجنس المثليّ خارج السجن وداخله، رغم اعتراض صنع الله بحجة أن المباحث سوف تستخدم ما أكتبه ضد الشيوعيين، لكني لم أبال وإن صرت حذرًا في الكتابة. ليكتب صنع الله بعد أعوام طوال "شرف" عن الجنس المثلي في السجن أيضًا، لكن بين مساجين غير سياسيين. ثم يكتب "التلصص" وهي أجزاء من سيرته الذاتية أيام الصبا والمراهقة، ثم "الجليد" وهي أجزاء من حياته وعن حياته في موسكو إبان دراسته هناك.
أين كمال في كل هذا؟
تحول كمال، كما حولناه أنا وصنع الله، إلى قارئ أساسي لمسوداتنا.. كنت حينما أقدم من هولندا، أقيم أحيانًا في بيت صنع الله في مصر الجديدة، ويأتي كمال من بيته في مدينة نصر ليلتقي بي في الشهور القلائل التي أقضيها في مصر.
لم يكن يفصح عن حياته العائلية وعن مشاكله مع زوجته، على العكس مني ومن صنع الله اللذان كنا نسخر من فكرة الزواج وكل ما يتصل به. وجدنا ملاذنا في الكتابة ورفضنا العمل المنتظم، بينما كمال يصر على العمل المنتظم بمرتب منتظم. لعله كان يخاف، وهو في منتصف العمر، أن تعتبره عائلته مرة أخرى "خيبان"، أو زوجته كذلك.
توصلت أنا إلى اتفاق مع زوجتي أن تتكفل هي باحتياجاتي المالية، وأن أتفرغ أنا للكتابة. وعمل صنع الله بالترجمة "من منازلهم"، وبكتابة روايات للأطفال لحساب دار الفتى العربي، الفلسطينية التي كانت تجيد تسويق أعمالها. ثم انتظم في النشر مع دار المستقبل، التي أسسها وزير الإعلام الناصري محمد فايق، ولها أيضًا سوق عربية ناصرية.
هكذا بدأ صنع الله يجني ثمرات كتاباته. ليحصل على جائزة العويس التي ستكفيه سؤال اللئيم من دور النشر. وستتم ترجمة بيضة النعامة إلى خمس لغات لأحصل أيضًا على فائدة مالية تساعدني على السفر والتجوال في البلدان التي أحبها. وسيذهب كمال في رحلة وحيدة قصيرة إلى أمريكا ليلتقِ بأصدقاء قلائل له هناك. مواصلًا عدم الكتابة، أو مؤجلًا إياها خوفًا!
ويتم الطلاق بين كمال وزوجته..
لم يكن كمال يريد الطلاق، رغم إلحاحنا نحن أصدقائه عليه. كان يتحجج بحجج مختلفة، لكني أعتقد، الآن، أن الطلاق كان معناه الاعتراف النهائي بفشل مشروعه الشخصي، بعد أن فشل مشروعه السياسي وتوقف عن المضي في مشروعه الكتابي.
فالطلاق هو المواجهة الواضحة، بل الأكثر وضوحًا، مع الخيبة النهائية لكل الأحلام التي حلمناها منذ الصبا وحتى الكهولة فالشيخوخة. أذكر أن طلاقي الأول أيضًا أصابني بإحساس غريب من القتامة. إحساس بالفشل وبضرورة الاعتراف به.
لم يكن الطلاق فشلي الأول، كما ذكرت. فقد فشلت أن أجد الاشتراكية في بولندا ووجدتها تقتل أفرادها في الحبشة واليمن الجنوبي.
كان صنع الله جريئًا في أن يكتب عن "الفشل الاشتراكي" المؤلم، وعن هزيمة الأشخاص الثوريين، عن هزيمة الأفراد والأنظمة الاشتراكية في "وردة".





