إلى الفنان المبدع أشرف عمر؛ رهين سجن العاشر من رمضان لا لشيء إلا لتعبيره عن هموم الناس.
الكاريكاتير هو فن الرسم التعبيري الذي يختار بعض السمات الشخصية أو الجسدية، أو القيم والأفكار والمواقف والأعمال، لإبرازها بشكل ساخر، وبطريقة تُمكِّنها بمفردها أو بعلاقتها بمختلف مفردات الشكل، أو بإضافة بعض الكلمات والجمل والتعبيرات، من تأدية رسالة نقدية واضحة يقصدها الفنان.
ابتكر الفراعنة السخرية والتهكم كشكل للتمرد على روتين الحياة والعادة والقواعد المتبعة والمألوفة، كلون احتجاج اجتماعي طريف. ولا شك أن تلك السخرية ساهمت في تخفيف أثقال الحياة وتحمُّل أعبائها، ووضعها في صيغة مضحكة تساعد على تقبلها.
حفظت لنا أوراق البردي كثيرًا من تلك المواقف الساخرة، كالفأر الذى يعلم القطط، أو الثعلب الذي يحرس الإوز، أو الأسد الذى يلعب مع الظبي، وغيرها من رسوم الكاريكاتير التي تتناول بعض الأوضاع المقلوبة، كهذا الرسم الذي وصل إلينا من الدولة الحديثة، ويرتدى فيه الفأر زيَّ الكهنة المميز بينما يقدم له القط القرابين من سمك القرموط التي يلتهمها بشهية.
السخرية تُعدُّ من أهم سمات الشخصية المصرية، مثلما عبَّرت الأمثال العامية بسخرية عن مختلف مفردات حياتنا الاجتماعية وعلاقاتها المتشابكة بكشف المفارقات بين المنطق الصوري والواقع. فالجَمل لن يستطيع أن يزمر فهو لا يملك "صوابع مبرومة ولا شفايف ملمومة" ولن يستطيع أحد أن يحلب ثورًا وعندما يكون القرد صاحب الدولة فلنرقص جميعًا له.
كما صاغ المصريون أشكالًا من السخرية شديدة الثراء والتنوع، كمناظرات "القافية" التي يشترك فيها متناظران أمام الناس في المقاهي، ويعتبر القراقوز تجسيدًا لتلك السخرية العميقة، كما عبر عنه الساخر صلاح جاهين في قراقوز "الليلة الكبيرة" التي يحفظها أغلب المصريين.
حتى الغناء الذي لعب الدور الأكبر في صياغة وجدان المصريين، كانت السخرية من أهم أغراضه، ولعل أغلبنا يحفظ تلك الأغنية من كلمات بديع خيري ولحن محمود الشريف وغناء عزيز عثمان "بطلوا ده واسمعوا ده.. ياما لسه نشوف وياما.. الغراب يا واقعة سودة جوزوه أحلى يمامة".
وكانت النكتة من أهم أسلحة المصريين في السخرية من أنفسهم وسوء حالهم ومن حكامهم. في زمن الأيوبيين (1171-1250)، خطَّ الأسعد بن مماتي كتابه الشهير "الفاشوش في حكم قراقوش" للسخرية من بهاء الدين قراقوش نائب السلطان في مصر. وبعد نكسة يونيو 1967، وصلت إلى الحد الذي جعله يطلب من هؤلاء الساخرين الترفق بالنظام.
البداية
في زمن الخديو إسماعيل (1863-1879) ظهرت الصحافة في شكلها الحديث التي تعبر عن القوى الاجتماعية المختلفة والأقليات الأجنبية والصراع السياسي، ومعها ظهر الكاريكاتير الصحفي الحديث.
بدأ الكاريكاتير بتقليد أو تمصير الرسوم المنشورة في المجلات. ومن هنا يُعتبر يعقوب صنوع "أبو نظارة" أول من رسم الكاريكاتير المصري الخالص، عندما أصدر صحيفة "أبو نظارة" سنة 1877.
انتقد برسومه تصرفات وسياسات الخديو واعترض على زيادة الديون، واستخدام العنف في جباية الضرائب لتوفير أقساطها؛ ذات الديون والاقتراض اللذان أطلا برأسهما من جديد في أيامنا هذه، ما دفع أشرف عمر إلى نقدهما بعد أكثر من 100 عام من رسوم صنوع.
أوقف الخديو المجلة بعد 15 عددًا ونفى صنوع إلى باريس، ليواصل من هناك إصدار مجلته باللغة العربية بعد تغيير اسمها إلى "رحلة أبو نظارة زرقا من مصر القاهرة إلى باريس الفاخرة". واصل انتقاد الأوضاع السياسية في مصر وأطلق على الخديو توفيق "تلفيق الأهبل"، كما انتقد سياسة بريطانيا المحتلة وابتكر شخصيات كاريكاتيرية مثل أبو شادوف وأبو قصعة وأبو الغُلب، للإشارة إلى معاناة الفلاحين المصريين.
استمر الكاريكاتير بعد الاحتلال البريطاني لمصر في التعبير عن معاناة الشعوب في ظل السياسة الاستعمارية، في حين سعى البريطانيون في مصر لإصدار القوانين لتكميم الأفواه ومنع التظاهر ومنع الاجتماع، وهو ما كان مادة للعديد من الرسوم الكاريكاتيرية التي كانت غالبًا ما تظهر دون توقيع أو بأسماء وهمية مخافة قانون المطبوعات الذي سجن الزعيم محمد فريد لكتابته مقدمة ديوان وطنيتي للشيخ علي الغاياتي.
ثورة 1919
في أعقاب قيام ثورة 1919، ومع فشل سعد زغلول في الحصول على استقلال مصر في مؤتمر الصلح بباريس سعت بريطانيا للتسويف بإرسال لجنة ملنر بحجة التعرف على ما يريده المصريون من ثورتهم.
كان الكاريكاتير حاضرًا، يصور ملنر وهو يحاول جر المصريين إلى ساحة نقاش عقيمة حول: ماذا وأين ومتى ولماذا؟ ونجحت الثورة في الحصول على تصريح 28 فبراير الذي يعلن استقلال مصر وتهيئتها للحكم الدستوري مع التحفظات الأربعة الشهيرة.
وصدر دستور 1923، ونعمت البلاد بحكم دستوري يقوم على أساس تعدد الأحزاب، فكان من المنطقي أن يكون لكل حزب صحفه؛ صحيفة السياسة لحزب الأحرار الدستوريين، وصحيفة المصري لحزب الوفد، كما ظهرت العشرات من الصحف والمجلات المستقلة.
واستقر الكاريكاتير واحدًا من الفنون الصحفية، لأنه ينسجم تمامًا مع الروح المصرية الساخرة بطبيعتها، التي تبحث عن كل ما هو مبالغ فيه في الجسوم والوجوه، كما أنه لا يشترط إجادة القراءة والكتابة لاعتماده على الرسم بشكل أساسي، وكثيرًا ما يكتفي الفنان بالرسم ويكتب تحت رسمه "بدون تعليق".
ربما كانت قدرة الكاريكاتير على الانتشار من أسباب الترصد له ولرساميه، إذ يجد فيه القراء تعبيرًا حادًا وواضحًا عن مواقفهم السياسية ومعاناتهم الإنسانية، كما يجدون فيه تشفيًا من حكام يظلمونهم وسياسات يكرهونها. على مدار المائة عام الماضية لمعت أسماء مثل صاروخان ورخا ومصطفى حسين في الأخبار وطوغان في الجمهورية وصلاح جاهين في الأهرام وبهجت وحاكم في الأهالي، كعلامات تميز هذه الصحف بجانب الكتاب والمفكرين.
أصبح رسامو الكاريكاتير مثل ماسكي السلك العريان عرضة للاضطهاد والاعتقال في مختلف العصور، بل والقتل كما حدث مع ناهض حتر فى الأردن.
ظهرت العديد من المجلات المتخصصة في الكاريكاتير؛ مثل الكشكول والبعكوكة والاثنين والفكاهة، وفي وقت كانت الحياة الحزبية وصراعات الزعماء السياسيين زغلول والنحاس وصدقي ومحمود وعبد الهادي ونسيم والهلالي وماهر والنقراشي وحسن البنا مادة ثرية لها، ولن يَسمح المجال هنا للحديث بالتفصيل عن الكاريكاتير فى هذا الزمن وسأكتفي بالحديث عن ثلاثة من الرسامين الكبار: صاروخان ورخا وزهدي.
المصري أفندي
ألكسندر صاروخان (1898- 1977) فنان أرميني ولد فى القوقاز وتعلم فنون الرسم ومارسها في تركيا وإيطاليا قبل أن يستقر في مصر سنة 1924. نشر رسومه في الصحف الأرمنية والفرنسية، فلفت نظر الصحفي الكبير محمد التابعي الذي ضمه إلى مجلة روزاليوسف التى يرأس تحريرها سنة 1927، ليصبح رسامها الأول، ثم اصطحبه معه وهو يؤسس مجلة آخر ساعة 1934. ومع الخسائر؛ انضمت إلى مؤسسة أخبار اليوم التي يمتلكها الأخوان أمين 1946، ليصبح صاروخان من أهم رساميها إلى أن توفي سنة 1977.
تميزت رسومه بالقدرة التعبيرية البالغة، وكان أول من أضاف الألوان إلى الخطوط السوداء، وابتكر شخصية المصري أفندي الطيب الممتلئ الذي يرتدي الطربوش ويمسك المسبحة، ناطقًا بلسان الشعب المصري في المعارك السياسية.
في هذا الرسم يفضح صاروخان التناقض بين الخطاب السياسى الأجوف لحزب الوفد الذى يدعو للاشتراكية مع أن زعماءه وهيئته العليا البدناء الأثرياء هم من يحملهم الشعب الفقير المطحون.
أبو الكاريكاتير
محمد عبد المنعم رخا كان يوقع رسومه باسم "رخا" فقط، ويعد الأب الروحي للكاريكاتير المصري، فقد ابتكر شخصياته من الواقع المصري دون التأثر بالرسوم الأجنبية، واتخذ اتجاهًا متمردًا وانحاز للفقراء منذ بداية عمله بالصحافة.
أصدر على نفقته مجلة خاصة "إشمعنى" ولكن سرعان ما أغلقتها السلطات، وفي سنة 1933، كان أول من دخل السجن بتهمة العيب في الذات الملكية، بسبب كاريكاتير انتقد فيه الملك أحمد فؤاد.
وقد ابتكر رخا عددًا من الشخصيات المدهشة مثل رفيعة هانم والسبع أفندي، وكان يستخدمها في النقد الاجتماعي السياسي.
في هذا الرسم اللاذع لرخا نجد مختلف زعماء الأحزاب السياسية يشيعون الأماني الوطنية إلى مثواها الأخير بينما يئن الشعب الفقير تحت وطأة المرض والجهل والفقر.
الفنان الشامل
زهدي العدوي (1917- 1994) من مواليد محافظة الشرقية لأب مصور فوتوغرافي، ومن خلال مساعدته لوالده في ستوديو التصوير، رأى أن رسم الناس بطريقة الكاريكاتير أكثر تعبيرًا عن شخصياتهم من الصور الفوتوغرافية.
تخرج من قسم النحت في مدرسة الفنون الجميلة، ولذلك فهو يعد فنانًا شاملًا يرسم ويصور ويصنع التماثيل، وكان أول ما لفت الأنظار إليه رسمه لحادثة استشهاد عبد الحكم الجراح طالب الآداب في مظاهرات الحركة الطلابية سنة 1935 برصاص ضابط إنجليزي، بعدها أصبح زهدي العدوي رسامًا في العديد من الصحف والمجلات وتميزت رسومه بالجمع بين التسجيل والكاريكاتير التعبيري.
ومن خلال إيمانه بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن الفلاحين والطبقة العاملة ومناهضة الصهيونية والاستعمار، انتهى إلى الانضمام للحركة الشيوعية الثانية التي بدأت في الأربعينيات، وظل ملتزمًا بمبادئها. وفي سنة 1950 تعرف على الكاتب صلاح حافظ وكان واحدًا من أهم أعضاء جماعة حدتو اليسارية فكتبا ورسما معًا كتاب "في المعركة" الذي يسجل كفاح المصريين في سبيل الحرية، وبمجرد أن أُعلنت الأحكام العرفية عقب حريق القاهرة اعتُقل زهدي لمدة ستة أشهر.
وفي الصورة المرفقة، التي نُشرت في مجلة الغد سنة 1953، والتي لم تتحملها الدولة لأكثر من ثلاثة أعداد، يجمع زهدي بين الرسم التعبيري وزجل بيرم التونسي عن مأساة العامل المصري.
ثورة يوليو 1952
يرتبط الكاريكاتير بطبيعة النظام السياسي، ومعاركه وقضاياه الكبرى وأهدافه من ناحية وبطبيعة الصحف وملكيتها من ناحية أخرى. بعد الثورة كان من الصعب انتقاد عبد الناصر شخصيًا، خاصة بعد تأميم الصحف لتصبح كلها ملكًا للدولة أو للاتحاد الاشتراكي ما قضى على مناخ الحرية الذي شكله تنافس الأحزاب في الفترة السابقة.
ومع هذا فاستقرار النظام السياسي ونجاح خططه للتنمية فرضا هامشًا للحرية سمح بانتقاد أجهزة وممارسات الدولة، كما وجد كثير من رسامي الكاريكاتير مجالًا لمطاردة بقايا الإقطاع والاستغلال وكثير من المعوقات الاجتماعية للنهضة والتقدم.
يمكننا القول إنه لم يكن مسموحًا لرافضي النظام بالعمل في الصحف ابتداءً، وتذكُر كثير من مذكرات الصحفيين أن عبد الناصر ربطته بالصحف ورؤساء تحريرها علاقات قوية سمحت بحل ما كان ينشأ بينه وبين رسامي الكاريكاتير من خلافات بطرق ودية.
لا يعني ذلك أن رسامي الكاريكاتير في تلك الفترة سلموا من بطش النظام، والدليل على ذلك عبد السميع (1916-1986) الذي وُلد في السيدة زينب مخالطًا الفقراء والمهمشين، فآمن بحقهم في العدل وتأثر بالرسام الكبير زهدي، الذي كان يطالع رسومه في الصحف، وظهرت موهبته في الرسم مبكرًا، لتنشر رسومه في مجلات روزاليوسف وآخر ساعة والأخبار منحازةً للفقراء ناقدة للفساد والملكية، لهذا فقد تفاعل مع الثورة وأحداثها، وانحاز في أزمة مارس 1954، إلى المنادين برجوع الجيش إلى ثكناته وعودة الحكم المدني.
واجه عبد السميع تضييقًا على رسومه ومراقبة ورفض الكثير منها ما دفعه إلى الابتعاد عن الرسوم الكاريكاتيرية واكتفائه برسم اللوحات وكتابة القصص القصيرة ومذكراته الخاصة.
رمز الثورة
مثَّل صلاح جاهين (1930-1986) رمزًا فنيًا بارزًا لثورة يوليو، ارتبطت أغنياته الوطنية بثورة يوليو وزعيمها، لكنه امتلك حسًّا نقديًا لاذعًا، ظهر في رسومه التي دخل بسببها في صراع عنيف مع الشيخ الغزالي حول رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ جعلت طلبة الأزهر يتظاهرون ويحاصرون مقر الأهرام، كما قدَّمت فيه العديد من المؤسسات بلاغات للنائب العام، وأوشك أن يُعتقل لولا أن دافع عنه محمد حسنين هيكل.
ولحسن الحظ أن الصورة السابقة، مكتوب فيها التعليق بخط يد صلاح جاهين.
بين السادات ومبارك
من بين أهم رسامي مجلتي روزاليوسف وصباح الخير كان صلاح الليثي (1923-1983) الذي وُلد بالقاهرة وتعلَّم النحت والزخرفة بكلية الفنون الجميلة، لكنه اتجه إلى الرسم في الخمسينيات.
تميز بخطوطه المستقيمة والرفيعة مع قدرة تعبيرية مدهشة. كما تميز بنقده اللاذع للمجتمع ولمؤسسات الدولة وسياسات النظام وهو ما اضطره مع عشرات من الكتاب والصحفيين إلى الخروج من مصر إلى عدة دول عربية، حيث عمل في ليبيا وسوريا والعراق حتى استقر في لندن، ونشر رسومه في مجلة 23 يوليو التي كان يرأس تحريرها محمود السعدني وكانت ناطقة باسم معارضي كامب ديفيد.
وُضع اسمه على قائمة الممنوعين من دخول البلاد، ولم يتمكن من دخولها حتى كتب رسالة للسادات يطلب العفو والسماح له بالعودة ليموت في مصر.
ولد جورج البهجوري فى قرية بهجورة بالأقصر سنة 1932، اسمه جورج عبد المسيح بشاي درس في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم التصوير اكتشفه الفنان الكبير بيكار وقدمه إلى إحسان عبد القدوس في مجلة روز اليوسف فعينه في المجلة.
كان جريئًا في رسم الوجوه بمبالغة أغضبت منه كثيرًا من رؤساء التحرير، وأغضبت منه الرئيس الأسبق أنور السادات فسافر إلى باريس سنة 1970 ليعود إلى مصر بعد ثلاثين عامًا وأصدر كتابًا ضمنه رسومه الممنوعة.
بهجت عثمان أو بهاجيجو (1931-2001) من مواليد بولاق بالجيزة، درس النحت فى كلية الفنون الجميلة وعمل مدرسًا للرسم بمعهد المنصورة الأزهري وبعض مدارس السودان. حاول منذ سنة 1956 التقدم برسوم للصحف وعلى الرغم من إعجاب رؤساء التحرير برسومه المميزة والفريدة فإنهم رفضوها لمحتواها السياسي اللاذع.
نجح في الالتحاق بصحيفة المساء ثم انتقل منها إلى روزاليوسف ليعطيها وجهًا جديدًا رغم وجود كتيبة من الفنانين العظماء.
وفي السبعينيات، مع تغيُّر وجهة النظام، انتقل بهجت للعمل في الأهالي باعتبارها الناطقة باسم اليسار المصري، وهناك ابتكر جمهورية بهجاتيا العظمى وديكتاتورها الفاسد بهجاتوس، ليفسح لنفسه بانتقاد السادات وسياساته، وخاصة سعيه للصلح مع إسرائيل، وبعد زيارة السادات للقدس ومبادرة السلام أعلن بهجت أنه ضد أي اتفاقيات مع الكيان الصهيوني، وعبر عن ذلك برسومه، وكان موقفه من بين أسباب ترصد السادات للأهالي الأسبوعية ومصادرتها عددًا إثر عدد.
اضطر بهجت سنة 1978 للرحيل إلى الكويت ومنها إلى دول أخرى يرسم في مجلاتها رسومًا للأطفال. وعاد إلى مصر في منتصف الثمانينيات ليعلن اعتزاله الكاريكاتير مكتفيًا بالرسم للأطفال.
جيل السوشيال ميديا
إسلام جاويش مواليد القاهرة 1989، بدأ حياته مدونًا ولأنه يمتلك وعيًا وثقافة ناضجة رغم حداثة سنة كما يمتلك حسًا ساخرًا يستطيع أن يصل بأقصر طريق فقد أصبح معروفًا وله آلاف المتابعين على السوشيال ميديا
أصدر كتابين وأنشأ موقعًا إلكترونيًا وأدار مجلة إلكترونية ثم اتجه إلى الكاريكاتير وامتلك حسًا فكاهيًا وإنسانيًا. ابتدع أسلوبًا فريدًا أطلق عليه الورقة إذ يرسم على ورقة كراسة تشبه كراسات المدارس. ومع ارتفاع وتيرة النقد والسخرية لديه وتعرضه لقضايا تمس السياسات العامة في الدولة وما يتعرض له الناس من انتهاكات على يد الشرطة، قُبض عليه في فبراير/شباط 2016، ثم أُفرج عنه بعد أن وجهت إليه بعض الاتهامات.
في آخر القائمة؛ أشرف عمر الذي ولد في القاهرة (1986) في أسرة مسكونة بالفن، ويعد جده المباشر محمد صدقي الجباخنجي (1910-1992) واحدًا من رواد فن التصوير المصري الحديث، اهتم منذ شبابه بحركة الاستقلال الوطني، خاصة في المجال الذي أحبه، بالسعي لتأسيس مدرسة مصرية لفن التصوير.
أورث الجباخنجي اهتمامه بالفن لأولاده، عمر وعصام وعلاء وعليا. كانت قاعة جاليرى ضي بالزمالك قد أقامت معرضًا فنيًا العام الماضي ضم أعمالًا فنية لثلاثة أجيال من العائلة.
تخرج عمر الجباخنجي، والد أشرف، في كلية الفنون التطبيقية وعمل مصممًا لصحيفتي الأخبار وأخبار اليوم، ويمارس اليوم بعض تجاربه في النحت بالصمغ وأوراق الصحف والرمال والألوان، وتعبر صورته التى رسمها أشرف عن نظرة الفنان لأبيه؛ خطوط واضحة ومحددة وانسيابية تعكس رؤيته لرجل بسيط وواضح وطيب ومستقيم.
أما أشرف عمر، فرغم ظهور موهبته المبكرة في رسم الكاريكاتير، كما توضح ذلك شهادة التقدير التي حصل عليها من مديرية التربية والتعليم عام 1999، وهو في سن الثالثة عشرة، ففضل الدراسة العلمية الجادة.
تخرج في كلية الصيدلة ليعمل صيدليًا لوقت ليس بالقليل، في نفس الوقت الذي سعى منذ طفولته لتقديم كل ما يمكن من دعم للفقراء من خلال عمله فى بعض الجمعيات الخيرية، وكان اهتمامه بقضية الفقر مدخلًا لدراسته للفلسفة الماركسية التى تبناها منهجًا للتفكير ولفهم المجتمع.
ولما وجد أن العمل بالصيدلة عمل فقير بلا إبداع، خاصة حين يتحول الصيدلي إلى مجرد بائع علب أدوية، فاستثمر دراسته وقدرته الكبيرة في الإلمام بفنون اللغة الإنجليزية في الترجمة لشخصيات أحبها وتأثر بها، مثل الأفكار الثورية لكارل ماركس لأليكس كالينيكوس وحياتي لتروتسكي ولينين القرن الواحد والعشرين لجون مولينو. كما ترجم بعض المقالات إلى العربية في بعض الصحف وبعض المواقع الإخبارية.
مارس واحدة من هواياته القديمة وهي النجارة، ليصنع بعض الأثاث المنزلي ولوحات من الخشب الملون، وفي نفس الوقت شجعه العمل غير الروتينى على العودة بقوة إلى الكاريكاتير، الفن الذي لم ينقطع عنه في أي وقت، فبعد القبض عليه واضطرارنا، مع الأسف، للبحث عن ملفاته القديمة في محاولة منا لفهم تلك الهجمة الشرسة عليه من الأمن، عثرنا على كنز كبير من الصور والرسوم أبدعها في مراحل مختلفة من حياته.
من بينها، هذا الاسكتش الكاريكاتيري الرائع لوجه الفاجومي، ورغم أن أسلوب الاسكتش بسيط ولم يستخدم فيه الفنان إلا القلم الأسود، فإنه تمكن باقتدار من خلال سُمك الخط والتظليل المتنوع والنظرة الصريحة من إظهار ما عليه نجم من عناد وإصرار وقوة.
تميزت رسوم أشرف عمر بالتنوع الشديد من حيث الأسلوب، فهو يرسم بالخطوط السوداء على ورقة بيضاء أحيانًا، وأحيانًا بإضافة لون واحد ثم بإضافة ألوان متعددة، أما من ناحية الموضوع فقد تراوحت الموضوعات بين النقد السياسي والنقد الاجتماعي والاهتمام بدعم قضايا الحريات الشخصية والإنسانية. وبالبحث في أرشيف أشرف وجدنا رسومًا تعود لأيام ثورة يناير وفترة حكم المجلس العسكري والإخوان المسلمين وصولًا إلى الكاريكاتير الذي نشره في أسبوع القبض عليه.
هنا يشير الفنان إلى ما تقوم به الشرطة من تلفيق الاتهامات من أجل سد الخانات في القضايا المفتوحة، ولم يكن يعرف الفنان الجميل أنه سيكون هو نفسه ضحية لذلك التلفيق.
يتساءل أشرف في هذا الكاريكاتير عن إمكانية تشغيل المونوريل كواحد من مفاخر النظام في ظل خطة تخفيف الأحمال، ويقدم هنا إجابته الساخرة التى استفزت النظام.
لنصل أخيرًا إلى كاريكاتير بيع مصر، الذي استوحاه من الأخبار التي نشرت عن تشكيل لجنة لحصر بعض أصول الدولة وبيعها لتدبير 25 مليار جنيه سنويًا لتسديد ديون مصر، ولاحظ أنها ذات الأزمة المالية التي واجهها الرائد الأول يعقوب صنوع، ولكن يبدو أن زي اللص المخطط المتعارف عليه مع القناع يشير إلى أن الموضوع برمته سرقة ولصوصية.
هذه رحلة سريعة في عالم الكاريكاتير المصري منذ نشأته منذ نحو 150 سنة، وعالم هؤلاء الفنانين المبدعين الذين عانوا النفي والتهميش والسجن ثمنًا لإيمانهم بحق الشعب في العدل والحرية والحكم الديمقراطي.