IMDB
لقطة من فيلم العار 1982، من إخراج علي عبد الخالق، يظهر فيها المساعدون الرئيسيون لوالد البطل الثلاثي الشهير أبو دهشوم وطلبة والدفاس

تفييش الهوامش.. موسم العودة إلى أسطوات مبارك

منشور الثلاثاء 29 يوليو 2025

في محافظة القاهرة بدت دعاية رجل الأعمال ومرشح حزب مستقبل وطن لانتخابات مجلس الشورى محمد المرشدي كأنها استدعاء للحظة زمنية انقضت عام 2011. المرشدي الذي شغل عضوية مجلس الشيوخ منذ عام 2020 وحتى الآن كان أحد نواب الحزب الوطني الذي سقط بعد ثورة 25 يناير. وقتها استقال الرجل من عضوية مجلس الشعب قبل رحيل حسني مبارك ببضعة أيام وكأنه يقفز مبكرًا من سفينة تغرق. 

وفي المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في الدلتا ووسط دائرة انتخابية، غالبيتها من العمال، كان اسم محمد كمال مرعي القيادي السابق بالحزب الوطني ومرشحه في انتخابات مجلس الشعب 2010 يتردد وهو يطرح نفسه حاليًا مرشحًا لعضوية مجلس الشيوخ عن حزب مستقبل وطن أيضًا.

هناك استدعاء لرموز الحزب الوطني ورجال دولة مبارك إلى السياسة، وكأن السلطة الحالية لم تنجح حتى الآن في إخراج بديل من داخلها. لكن الأمر لم يقف عند حدود السياسة، لأن هذا الاستدعاء كان واضحًا جليًا في ملفات أخرى، وكأن فيه حل كل الأزمات المتراكمة.

الأمر يشبه ورطة الممثل الراحل نور الشريف في فيلم العار، حين اضطر تحت ضغط الإفلاس لاستبعاد مساعدي والده الراحل أبو دهشوم وطلبة والدفاس والاعتماد على رفيقته نورا وشقيقيه حسين فهمي ومحمود عبد العزيز لأداء مهام الثلاثي المخضرم ما نتج عنه كارثة. ما تفعله السلطة الحالية يبدو كأنه تعلُّم من درس فيلم العار بإسناد الأمر إلى أهل الخبرة بدلًا من أهل الثقة.

رحل الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم في 2011 وظل رجاله رقمًا صعبًا في المعادلة المصرية. خلال الشهور الفائتة امتلأ المشهد العام بهم فجأة على غير توقع. ظهر أولئك الذين سيطروا طوال ثلاثين عامًا على السياسة والاقتصاد والإعلام، وحول عودتهم للواجهة من جديد أسئلة تثور وعلامات استفهام لا تنتهي.

هل قررت السلطة الحالية الاعتماد عليهم خلال المرحلة المقبلة؟ وهل ظهورهم يعني اعترافًا ضمنيًا بعدم قدرة رجالها على صناعة البديل المناسب؟ ولماذا اختار النظام الحالي استدعاء هؤلاء في هذا التوقيت بالذات؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبوه وسط أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة ومعقدة ومشهد إعلامي مقيَّد بدرجة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث؟

رئيس الوزراء يلتقي رجال أعمال ورموزًا من نظام مبارك ضمن لقائه مع "اللجان الاستشارية المُتخصصة"، 28 يناير 2025

رجال أعمال يرسمون الطريق

في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي شكَّل رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي هيئة استشارية تعاون الحكومة في عدد من الملفات الاقتصادية والسياسية غلب عليها رجال دولة مبارك. قبلها بشهر، بالتحديد في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدا الاجتماع الذي ضم أبرز رجال أعمال دولة مبارك مع مدبولي لافتًا وغريبًا.

أحمد عز وهشام طلعت مصطفى وياسين منصور وأحمد السويدي وغيرهم من رجال أعمال عصر مبارك تحدثوا وكأنهم يضعون "روشتة" لعلاج اقتصاد يعاني ويضغط في معاناته هذه على أعصاب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

الاجتماع بهذه الصورة المعلنة، ومع هؤلاء تحديدًا ظهر وكأنه اتجاه جديد للحكومة كما لم يحدث طوال السنوات الماضية.

حديث رجال الأعمال خلال هذا الاجتماع كان على درجة كبيرة من الثقة، وامتلأ بنقد حاد للسياسات الاقتصادية حتى ظن المشاهد أنها محاكمة علنية للحكومة الحالية. خبرة السنوات الماضية تقول إن السلطة الحالية لا تستمع كثيرًا للنصائح، وهنا بالذات يبدو السؤال واضحًا، لماذا ظهر رجال أعمال مبارك في الصورة من جديد؟

المؤكد أن هناك من الأسباب ما دفع الحكومة للاستعانة برجال أعمال عصر مبارك، أولها شبكة العلاقات القوية والمستمرة التي تربطهم بالمستثمرين المحليين والدوليين، ويبدو أن النظام الحالي يرغب في الاستفادة منها لتأمين الاستثمار وضمان تدفق الأموال إلى السوق المصرية، خصوصًا في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية.

في العودة إلى هؤلاء اعتراف ضمني بعجز السياسات الاقتصادية الحالية عن جذب الاستثمار إلى مصر.

بحسابات الحكم، هناك إدراك بأن رجال دولة مبارك لديهم خبرة ليست قليلة في إدارة ملفات الخصخصة والشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، وهي إحدى المشكلات الكبرى في علاقة السلطة الحالية بمؤسسات التمويل، على رأسها صندوق النقد، فالمطالب الدولية لا تتوقف بضرورة تخارج الدولة من الاقتصاد، وإتاحة مساحات أوسع للقطاع الخاص.

يمكن من خلال شهرة هؤلاء الواسعة إقناع المؤسسات الدولية بأن هناك اتجاهًا بالفعل لتوسيع المجال أمام القطاع الخاص. في هذه الأسباب لا يمكن تجاهل إيحاءات بأن ولاء هؤلاء لها قد يضمن لهم العمل بحرية، والمساهمة في المجال الاقتصادي بدرجة أكبر في المستقبل القريب. مكاسب واضحة للطرفين تزيد من مساحة الود والاقتراب.

الإعلام في يد رجال مبارك

عبد اللطيف المناوي، 21 مارس 2015

في بداية شهر يناير الفائت صدر قرار من المتحدة للخدمات الإعلامية بتعيين الإعلامي عبد اللطيف المناوي رئيسًا تنفيذيًا للأخبار والصحافة في الشركة، والإعلامي سمير يوسف رئيسًا للشبكات التليفزيونية.

للرجلين خبرة كبيرة في مجال العمل الإعلامي في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك. وبمقدار ما كان القرار مفاجئًا للكثيرين كان المشهد يتضح ويترسخ أكثر: هناك اتجاه للاستعانة بوجوه دولة مبارك في ملف جديد ومهم بعد الملف الاقتصادي.

قبل بضعة أشهر جرت تغييرات كبيرة شملت أشخاصًا كانوا يديرون الملف الإعلامي طوال السنوات السبع الأخيرة. بدا الأمر مؤشرًا لخطوات جديدة تشمل تعديلات في هذا الملف الذي توليه السلطة الحالية اهتمامًا خاصًا وكبيرًا.

قرار تعيين المناوي ويوسف كشف حالةً من عدم الرضا عن الأداء الإعلامي في مجمله، ورغبة سياسية في أن يتولى إدارته من هم أكثر خبرة واحترافًا، على أن تظل تبعيته للسلطة مؤكدة دون تغيير.

بعيدًا عن خبرات الرجلين؛ فقد نال النظام الحالي ما نال نظام مبارك من انتقادات خارجية وداخلية واسعة في ملفي الحريات العامة وحقوق الإنسان، لكن إعلام مبارك كان قادرًا، طبقًا لاعتقاد السلطة الحالية، بدرجة معقولة على الرد والتعقيب على تلك الحملات بطريقة فيها من الاحتراف الكثير، وإن على حساب الحقيقة.

ويبدو أن هذا الدور هو جزء مهم من أسباب الاستعانة بهؤلاء القدامى الجدد في الملف الإعلامي الذي تخلَّف كثيرًا خلال السنوات الماضية، وفقد البلد بهذا الغياب الكثير من مصادر قوته الناعمة وقدرته على تقديم إعلام سلطوي موجه، لكنه قادر على التأثير والإقناع وهو يقدِّم للمواطن إنجازات النظام في صورة شيقة ومقبولة.

في تلك الأدوار ما يُسعد النظام الحالي ويطمئنه. ولكن كل ما يعتقده هذا النظام عن قدرة إعلاميي دولة مبارك على إحياء الإعلام من مرقده، وعودته للتأثير من جديد أوهام لن تتحقق ما لم يحصل العمل الإعلامي على مساحات حرية أوسع وأكبر بكثير. فبدون حرية لا صحافة مؤثرة ولا إعلام جاد. هذه حقائق مؤكدة، وواقع لا يمكن إنكاره!

ما نحتاجه في الاقتصاد 

تتبنى السلطة الحالية من الخيارات ما تظن أنه تغيير وهو غير ذلك. ربما كان رجال أعمال وإعلاميو مبارك أكثر خبرة واحترافية، لكن التفتيش في الدفاتر القديمة لن يجدي في التعامل مع واقع جديد تمامًا.

لكل زمن رجاله وأفكاره، فما نجح سابقًا يمكن جدًا أن يفشل على ضوء تغييرات سياسية واجتماعية واسعة جرت وأثرت في المجتمع وغيرته بشكل كبير. لا تأثير يمكن أن يحدث دون النظر بتدقيق إلى المشهد الحالي وتعقيداته والمستجدات التي يحملها. 

ما تحتاجه مصر ليس لغزًا ولا يحتاج لترتيبات من نوع خاص، والبداية من تغيير السياسات الاقتصادية التي أوصلتنا إلى هذه اللحظة، والانحياز لأخرى أكثر عدالة، تتبنى الإنتاج وتحتفي بالتعليم، وتجعل الدولة ضامنًا لسوق حرة ومفتوحة لا منافسًا للمستثمرين، وتراعي في كل خطواتها مصالح الأغلبية العظمى من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتبتعد عن سياسات مؤسسات التمويل الدولية، وتضع أولويات واضحة لتقدم اقتصادي منشود بالإنتاج والتصدير لا بالإنشاءات وحدها.

أما في "روشتة" تقدم الإعلام وعودته للتأثير فهناك علاج واحد اسمه الحرية. بإسقاط القيود التي تحاصر العمل الإعلامي، وبتعبيره الجاد عن المجتمع بتنوعه وأفكاره وقواه الحية تمكين له من النجاح والتأثير. وفي عكس ذلك مزيد من التردي مهما كانت أسماء القائمين عليه. الحلول متاحة لو أن هناك إرادة سياسية للسير على الطريق الصحيح. هذا أو المزيد من الجري في المكان!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.