تصوير محمد سليمان، المنصة
الناخبون يغيبون عن انتخابات الإعادة لمجلس النواب بلجنة مدرسة الفاروق 2 بدار السلام، 18 ديسمبر 2025

انتخابات مجلس النواب 2025.. جينا نقعد شدوا الكراسي

هزيمة المعارضة في المنصورة.. وهتافات "تزوير" بعد خسارة نائبتي مستقبل وطن في الزقازيق

منشور الجمعة 19 كانون الأول/ديسمبر 2025

مع إعلان نتائج ومفاجآت الانتخابات هذا الأسبوع، سمعت في رأسي أغنية أحمد عدوية الشهيرة "يا راسي راسي من غير مراسي والقسوة مرة والمر قاسي وجينا نبعد قالوا لنا نقعد وجينا نقعد شدوا الكراسي"، عبارة تلخّص بدقة ما يجري في المشهد الانتخابي الذي يستمر حتى الرابع من يناير/كانون الثاني المقبل في 2026.

دراما أسبوعية لانتخابات مجلس النواب، تبدو كأنها مسلسل مُحكم الصياغة، يُبقي المشاهد في حالة دهشة وترقب دائمين. حلقات تُعرض تباعًا في نهاية كل أسبوع، محمَّلة بمزيد من الإثارة والمفاجآت؛ مرة بإلغاء نتائج 49 دائرة، ومرة بتبخّر أصوات الناخبين، وفروق ضخمة بين الأرقام التي حصدها مرشحون قبل الإلغاء وبعده، وأخرى بين ما أعلنته اللجان العامة المنتشرة في الدوائر والنتائج النهائية التي تعلنها الهيئة الوطنية للانتخابات.

أما التحالفات العلنية والسرية، وضربات الأصدقاء قبل الخصوم، فليست سوى فصل إضافي في مسلسل لا تنقصه الحبكة ولا المفاجآت.

في حلقة مسلسل الانتخابات هذا الأسبوع تزامن إعلان النتائج النهائية للدوائر الـ19 الملغاة من المرحلة الأولى، التي تختص بها الهيئة العليا للانتخابات عقب مراجعة الشكاوى وإضافة أصوات المصريين بالخارج، مع إعلان التصويت وفرز الأصوات من خلال اللجان العامة في جولة الإعادة لدوائر المرحلة الثانية التي ضمت 13 محافظة.

عودة التشكيك

انتهت جولة الإعادة من المرحلة الثانية للانتخابات مساء أمس الخميس، وأعلنت اللجان العامة في مختلف الدوائر نتائج الحصر العددي التي تزامن معها تشكيك من قبل بعض المرشحين في العملية الانتخابية، التي كانت تراجعت بقوة بعد فيتو الرئيس وإلغاء 49 دائرة من دوائر المرحلة الأولى. 

احتفلت مرشحة حزب العدل النائبة السابقة، سحر عتمان بفوزها بمقعد دائرة بلبيس في الشرقية، لكنها خرجت بعد إعلان اللجنة العامة نتائج الحصر العددي تشكك فيها، لافتة إلى تغير جذري في الأرقام التي تسلمتها ممهورة بالأختام الرسمية، مقارنة بما أعلنته اللجنة. 

في الشرقية أيضًا بالدائرة الأولى الزقازيق، أعلنت المرشحتان مروة هاشم، مستقلة، وإيمان خضر ، حماة الوطن اعتصامهما في مقر اللجنة العامة اعتراضًا على النتائج المعلنة. 

وظهرت المرشحتان العضوتان في مجلس النواب الحالي في عدة مقاطع فيديو تستنكران النتيجة، وقالت إيمان "أبقى طالعة الأولى وأبقى ساقطة؟ ليه؟"، وقالت لزميلتها "ده شغل أحمد عبد الجواد، هم مبيتين النية وناويين" في إشارة إلى الأمين العام لحزب مستقبل وطن، مطالبة بإعادة الانتخابات، بسؤالها "لجان الزقازيق كل اللي يطلع فيها 5 آلاف صوت أول عن آخر، الأرقام دي جت إمتى؟".

وتساءلت مروة هاشم "70 ألف صوت دي جت إمتى؟ زودوهم إزاي؟ ده فساد، اظبطوها شوية لما انتوا هتزوروها، ده فساد مستقبل وطن". وتجمع مجموعة من أنصار المرشحتين وهتفوا "تزوير.. تزوير". 

وأسفرت النتائج التي أعلنتها اللجنة العامة في الزقازيق على مقاعد الدائرة الأربعة عن فوز مرشحي حزب مستقبل وطن: لطفي شحاتة، وعادل عفيفي، ومحمد الصالحي، والمرشح المستقل كامل الرشيدي. 

الدائرة الملعونة

تبدو دائرة العمرانية والطالبية في الجيزة وكأنها مصابة بلعنة ما تطاردها لسنوات؛ إذ قررت الدائرة التي لم تفصل محكمة النقض في صحة نتائجها منذ 2020 حتى الآن، مواصلة عنادها المعتاد. فسحبت الهيئة الوطنية للانتخابات، ظهر أمس الخميس، المقعد من محمد علي عبد الحميد، المرشح المستقل ونائب مستقبل وطن السابق، بعد احتفاله بفوزه عقب إعلان اللجنة العامة لنتائج الحصر العددي الأسبوع الماضي.

أبطلت الهيئة نتائج لجنة بالعمرانية والطالبية لوجود مخالفات، وأضافت تصويت المصريين في الخارج، وأعلنت الإعادة على مقعدي الدائرة، لتنقلب بذلك النتائج رأسًا على عقب، فيخرج عبد الحميد من صفوف المستقلين الفائزين وينضم لمعركة الإعادة على مقعدي الدائرة، وتتجدد فرصة مرشح حماة الوطن، محمود لملوم في الإعادة بعد أن أخرجه إعلان الحصر العددي من السباق تمامًا، لينافسا المرشحين المستقلين جرجس لاوندي وسيد زغلول. 

تظل دائرة العمرانية والطالبية واحدة من أكثر الدوائر تعقيدًا في المشهد الانتخابي؛ دائرة لم تُغلق ملفاتها منذ 2020 حتى الآن، أُلغيت ثم أُعيدت، احتفل مرشحها بالفوز ثم وجد نفسه منافسًا مرة أخرى في الإعادة، بات أحدهم خاسرًا ثم وجد نفسه أمام فرصة جديدة للفوز.

هزيمة في معركة المنصورة

واجهت المعارضة منافسة شرسة في جولة الإعادة لدوائر المرحلة الثانية، في دسوق بكفر الشيخ ومدينتي المنصورة والمحلة الكبرى في الدقهلية والغربية، من أجل الحفاظ على مقاعد نوابها في المجلس: الوفدي محمد عبد العليم داود، ونائب حزب التجمع أحمد بلال، والنائب المستقل أحمد الشرقاوي.

كانت معركة المنصورة الأصعب والأقسى على المعارضة، فمنذ إعلان نتائج الجولة الأولى والإعادة على مقعدي الدائرة بين أربعة مرشحين، جاء الشرقاوي، نائب الدائرة منذ 2015 في ذيل ترتيب الأصوات، بينما تصدر محافظ الشرقية الأسبق المرشح المستقل رضا عبد السلام، ومرشح حزب مستقبل وطن ونائب الدائرة وحيد فودة، والمرشح المستقل نبيل أبو وردة. 

أدرك الشرقاوي خطورة موقفه، وانتبه رفاقه من نواب المعارضة لحجم المأزق الذي يقف فيه، توافدوا إلى المنصورة لتقديم الدعم والمساندة والحشد لأحد أهم نواب المعارضة في برلمان 2016 و2021. أتى النائب ضياء الدين داود من دمياط، وحضر النائب أحمد فرغلي من بورسعيد، والنائب عبد المنعم إمام من القاهرة، وشاركهم البرلماني السابق هيثم الحريري من الإسكندرية يوم التصويت. 

استصرخ داود في جميع كلماته الناخبين بالمشاركة والتصويت لدعم الشرقاوي ليكون نائبًا لمصر وليس فقط للمنصورة، حاول إبراز الدور السياسي المؤثر للشرقاوي الذي قد ينعكس بدوره على الخدمات والحقوق التي يحصل عليها أهالي المنصورة، وتطلع إلى أن يناور الناخب الرشاوى الانتخابية، قائلًا "يا ستي خدي خيره وانتخبي غيره". 

ظهر الشرقاوي في لايف عبر حسابه على فيسبوك قبل نحو ساعة من إغلاق التصويت يتحدث عن المال السياسي وبؤر الرشاوى الانتخابية، لكن اليوم انتهى بإعلان فوز رضا عبد السلام، ونبيل أبو وردة، لتفقد المعارضة في البرلمان قطبًا رئيسيًا من أقطابها على مدار عشر سنوات، ويخسر حزب مستقبل وطن مقعدًا جديدًا في البرلمان.

في المقابل، استطاع أحمد بلال البرلسي الحفاظ على مقعد حزب التجمع في المحلة الكبرى، وتمكن محمد عبد العليم داود من انتزاع مقعد الوفد في دسوق بكفر الشيخ، بينما ظهر اسم جديد قد ينضم للمعارضين المستقلين في البرلمان هو أحمد السنجيدي الذي أعلن فوزه في دائرة دكرنس وبني عبيد في المنصورة.

يبقى المشهد الانتخابي في مصر خليطًا من المفاجآت، والإعادات المدهشة. من العمرانية والطالبية إلى المنصورة والزقازيق، وغيرها من الدوائر، فيما ننتظر حلقة جديدة من مسلسل شيق لا نعرف كيف سيختم حلقاته وإلى متى تستمر لعبة شد الكراسي؟