تصميم: أحمد بلال
مخاوف من توسع شركة واحدة في الحصول على العديد من الامتيازات بقطاع النقل

"أبوظبي" تضع يدها على امتيازات النقل.. لماذا نلجأ للشركة الإماراتية؟

منشور الاثنين 29 كانون الأول/ديسمبر 2025

خلال الشهر الحالي أعلنت مجموعة أبوظبي للموانئ تقدمها بعرض استحواذ يُمكنها من السيطرة على واحدة من أعرق الكيانات المصرية في مجال تداول الحاويات، أسستها الدولة في الثمانينيات، وهي شركة الإسكندرية لتداول الحاويات.

خلال سنوات قليلة، أبرمت الشركة الإمارتية العديد من الاتفاقات مع القطاع الخاص والدولة للدخول في أنشطة مختلفة ترتبط بصناعة النقل، لذا يرى خبراء أن سيطرة "أبوظبي" تمتد لما هو أبعد من "الإسكندرية"، ويحذرون من تركز الامتيازات في يد الشركة ومدى تساهل الشروط الممنوحة بها، في مقابل مسؤولين حكوميين يؤكدون أن اللجوء للشركة كان ضروريًا مع محدودية البدائل المتاحة.

قصة الصعود السريع

على الرغم من حداثة نشأتها في عام 2006، توسعت "موانئ أبوظبي"، التابعة للصندوق السيادي للإمارة ADQ، في أنشطة المواني واللوجستيات بشكل لافت، ليمتد نشاطها عالميًا من مصر إلى الكونغو وصولًا لباكستان في آسيا وإسبانيا في أوروبا وغيرها.

في مصر على وجه التحديد، دشّنت المجموعة وجودها في عام 2022 عبر صفقة لفتت العديد من الأنظار، تتعلق بالاستحواذ على 70% من شركة (IACC) International Associated Cargo Carrier، وهي شركة مشهورة في نشاط المواني منذ حقبة الانفتاح الاقتصادي، ومؤسسها أحد الأسماء المشهورة في هذا المجال وهو رجل الأعمال مصطفى الأحول.

في العام التالي واصلت المجموعة الإماراتية البحث عن فرص جديدة للتوسع، وهذه المرة عبر التفاوض مع الحكومة، وتحدثت تقارير صحفية عن مفاوضات حول امتيازات في المواني المصرية، وفي نهاية 2023 حصلت على امتياز إنشاء وإدارة البنية الفوقية(*) لمحطة حاويات سفاجا 2.

لم تتوقف طموحات المجموعة الإماراتية عند هذا الحد، ففي 2024 حصلت على امتياز آخر بحق إدارة ثلاث محطات للسفن السياحية في سفاجا والغردقة ومواني البحر الأحمر.

إلى جانب هذا، أبرمت الشركة عدة صفقات عبر الكيانات التابعة لها، إذ وقعت Trance Cargo International قبل بضعة أسابيع اتفاق تفاهم مع وزارة النقل لإنشاء وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء السخنة، وهي شركة تابعة لـIACC التي تملك "أبوظبي" الحصة الأكبر فيها، ومن قبلها في 2024 استحوذت Noatum التابعة للمجموعة على الشركة المصرية لخدمات السفن "سفينة".

أما استحواذ "أبوظبي" على حصتها الكبيرة من الإسكندرية لتداول الحاويات، فتم على مرحلتين؛ الأولى عبر شركة شقيقة لـ"أبوظبي" وهي ألفا أوركس التي اقتنصت 32% من الشركة الحكومية، والثانية من خلال الشركة نفسها التي اشترت بشكل مباشر حصة الشركة "السعودية المصرية" التي تقدر بـ19.3%، لذا ترصد تقارير صحفية أن عرض الاستحواذ الحالي من "أبوظبي" على حصة مسيطرة في الشركة ليس إلا تقنينًا لوضع قائم بالفعل، وهو سيطرتها على أكثر من 50% من الشركة عبر كيانين تابعين لها.

لا تتوقف صفقات "أبوظبي"، ثمة امتيازات قادمة في الطريق، فمن المتوقع أن تحصل "أبوظبي" في 2026 على امتياز لإدارة البنية الفوقية لمحطتين بميناء السخنة، الأولى لدحرجة السيارات(**)، والثانية محطة ركاب. كما تقدمت المجموعة بعرض لإدارة وتشغيل وصيانة محطة الركاب البحرية بميناء الإسكندرية لمدة 15 عامًا، وهي أيضًا في مرحلة استكشاف فرص إدارة مجمع لوجستي متكامل بميناء الإسكندرية.

أضف إلى كل ما سبق أنشطة "أبوظبي" التي تستفيد من البنية الأساسية للنقل بشكل غير مباشر، مثل استثماراتها في ميناء العريش لبناء 6 صوامع أسمنت للتصدير، أو منح المجموعة نحو 20 كيلومترًا مربعًا من أراضي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لإقامة منطقة صناعية متكاملة شرق بورسعيد، بنظام حق الانتفاع.

لماذا لجأت الحكومة إلى أبوظبي؟

عوامل عدة تساهم في ترجيح كفة "أبوظبي" للفوز بامتيازات النقل في مصر. ـعلى سبيل المثال في قطاع تداول الحاويات تثق الحكومة في قدرة الشركة على تحقيق إيرادات قوية لمحطات التداول التي تديرها بفضل استحواذها على شركة "الأحول" للشحن.

وجاء إسناد محطة حاويات سفاجا 2 للمجموعة بعد التأكد من امتلاكها خط شحن قادرًا على تحقيق الحد الأدنى المتفق عليه من معدلات التداول السنوية، هو خط الشحن التابع لـIACC والعامل بميناء الأدبية، الذي يتداول أكثر من 100 ألف حاوية سنويًا، ويوفر خدمات بحرية منتظمة تربط السوق المصرية بمناطق إقليمية، كما يؤكد مصدر في وزارة النقل لـ المنصة، طلب عدم نشر اسمه.

أيضًا يأتي اختيار "أبوظبي" في حال امتياز محطات السفن السياحية بدفع من نشاطها السياحي، في الوقت الذي لا يحظى هذا القطاع باهتمام واسع من الشركات العالمية مقارنة بمحطات الحاويات، الأمر الذي جعل المجموعة الإماراتية ضمن الخيارات القليلة المتاحة، كما يفيد المصدر.

تبدو المجموعة الإماراتية صاحبة العروض الأفضل لإدارة البنية الأساسية المصرية، في رواية المسؤول بوزارة النقل، حيث يشير إلى أن دخول "أبوظبي" مشروع المنطقة اللوجستية في الإسكندرية كان الخيار الثاني بعد خيار منح الامتياز لتحالف شركات الهندسية للصناعات والتشييد -سياك، والصينية للاتصالات والإعمار، والصينية للطرق والجسور، لكن "التحالف لم يتقدم بعروض فنية ومالية جادة خلال المهلة المحددة، ما أدى إلى إنهاء الاتفاق"، على حد قوله.

يشدد المصدر في هذا السياق على أن اختيارهم لا يتعلق بكون الشركة مصرية أو خليجية، وإنما بالجدية والقدرة على التنفيذ في النهاية، وهو معيار يُطبق على جميع المشروعات وليس المواني فقط.

مخاطر الامتيازات والخصخصة

ينتقد العميد المؤسس لكلية النقل بالأكاديمية العربية للنقل البحري، محمد علي، تركيز الامتيازات في يد مجموعة أبوظبي، الذي يتعارض مع مبدأ التنافسية وهو ما يحتاجه القطاع لتحقيق أفضل النتائج، خصوصًا وأن بعض هذه الامتيازات ممنوحةٌ بآجال طويلة ما يجعل آثار سياسات الشركة في مصر مستمرة لعقود.

ويمتد امتياز محطة سفاجا 2 إلى 30 عامًا، بينما تصل مدة امتياز المنطقة اللوجستية والصناعية في شرق بورسعيد إلى 50 عامًا.

يحذِّر علي في تصريحه لـ المنصة من أن تكون الامتيازات ممنوحة بشروط متساهلة؛ "الاستثمارات المعلنة في سفاجا 2 لا تتناسب مع طول الفترة، إذ كان من الأفضل منحه مقابل مهام أكبر مثل بناء المحطة من البداية أي تنفيذ ‘نشاءات الرصيف والساحات، وليس الاقتصار على البينة الفوقية والتشغيل فقط".

وبينما تضع الحكومة منحَ امتيازات المواني ضمن خططها لتنشيط الاستثمار الأجنبي، ترى الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مي قابيل أن الاستثمار المحلي قد يكون أكثر ربحًا للاقتصاد في المدى الطويل.

"الاستثمارات التي تضخها الشركة الإماراتية، سواء في شراء الأوناش أو أنظمة التشغيل، تظل محدودة إذا ما قُورنت بحجم العوائد التي كان يمكن أن تحققها الدولة في حال إسناد هذه المشروعات إلى شركات محلية، فهي تحول الأرباح إلى الخارج في نهاية المطاف بما يقلل بشكل كبير من العائد الفعلي على الاقتصاد المصري"، تقول مي لـ المنصة.

تنتقد الباحثة الاقتصادية سياسةَ الحكومة القائمة على التخلي عن حصص من ملكيتها في شركات رابحة، رغم امتلاكها خبرات متراكمة في السوق كان يمكن الاستفادة منها في تشغيل المحطات، مثل شركة الإسكندرية لتداول الحاويات الحكومية، لافتةً إلى أن بيع الحصص الحكومية في الشركات الرابحة أتاح تحقيق أرباح كبيرة، إذ حققت الشركة السعودية المصرية للاستثمار، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، أرباحًا بنحو 152 مليون دولار، من عملية شراء حصتها في الإسكندرية لتداول الحاويات عام 2022 ثم بيعها لـ"أبوظبي" في 2025.

في المقابل يدافع المصدر بوزارة النقل عن الامتيازات الممنوحة لمجموعة أبوظبي بأن هدفها الأول هو تعظيم الاستفادة من الأصول المصرية، مشيرًا إلى الدولة تتمسك بالحفاظ على ما ترى أنها تستطيع إدارته بكفاءة. 

يكشف المصدر أن المجموعة الإماراتية عرضت منذ أكثر من عامين شراء حصص في شركتي بورسعيد ودمياط لتداول الحاويات الحكوميتين، لكن الوزارة رفضت انطلاقًا من قناعة الدولة بإمكانية تعظيم الاستفادة منهما دون التخلي عن ملكيتهما.

ويشير إلى أن الحكومة فرضت على "أبوظبي" شروطًا مشابهة للامتيازات الممنوحة للشركات العالمية الأخرى؛ "الوزارة سوف تتسلم محطة سفاجا 2 عقب إقرار البرلمان للاتفاقية، والانتهاء من الأعمال خلال 18 شهرًا حدًا أقصى، وهي المدة والإجراءات نفسها التي مُنحت سابقًا لمشغلي محطات حاويات تحيا مصر في الإسكندرية ودمياط".

سياسة الامتيازات الأجنبية أصبحت هي الطابع المسيطر على قطاع الأنشطة المرتبطة بالمواني في مصر، مع الاتجاه السريع لخصخصته خلال السنوات الأخيرة، في انتظار ما ستعكسه السنوات المقبلة ما إن كانت مميزاته تفوق عيوبه أم العكس.


(*)البنية الفوقية هي الهياكل والمرافق فوق الأرض اللازمة لتحميل، تفريغ، ونقل الحاويات.

(**) نظام مناولة يعتمد على دخول وخروج السيارات والمركبات إلى السفن ومنها باستخدام الحركة الذاتية دون رفع.