موظف يعمل وحيدًا. الصورة: بيكساباي- مفتوحة المصدر

ما لا يخبرونك به عن العمل في الـ "ستارت أب"

منشور الثلاثاء 22 يناير 2019

حتى الأسبوع الماضي كان يعمل مروان طايل في شركة من شركات الـ "ستارت أب" التي تعمل في قطات تكنولوجيا المواصلات في مصر. قرر مروان الرحيل بعد أن تكررت خلافاته مع المدير التنفيذي للشركة بسبب ضغوط مسؤوليات العمل "كنت مسؤولًا عن العمليات الخاصة بالشركة إضافة إلى السوشيال ميديا، لم أستطع القيام بالوظيفتين معًا بنفس الكفاءة في ظل رفض المدير التنفيذي تعيين فريق تحت إدارتي".

تعدد المهام الوظيفية من الأمور المعروفة في عالم الشركات المتناهية الصغر، فالميزانية المحدودة للشركات، في ظل وضع اقتصادي متقلّب تشهده مصر، إضافة إلى غياب بيئة قانونية تناسب أوضاع الشركات المتناهية الصغر التي تختلف عن مثيلتها في الشركات الكبرى (تشغّل أكثر من 50 موظّفًا).

في هذا التقرير نقدّم شهادات من أربعة عاملين وأصحاب شركات متناهية الصغر، تحدّثوا إلى المنصة، عقب خروج مشكلة شركة المواصلات العامة SWVL إلى منصات السوشيال ميديا عندما نشر عدد من الموظفين السابقين شكاوى بخصوص بيئة العمل وأسس ومعايير التوظيف وإنهاء الخدمة.

 

.. في سبيل اللوغاريتمات

كان طايل يعمل في شركة مكونة من أربعة موظفين هو خامسهم، كلهم مسؤولون عن مهام التطوير التكنولوجي لتطبيق الشركة ماعداه "كنت مسؤول عن 200 واحد مطلوب منهم يقفوا في مواقف أتوبيسات النقل العام والإشارات المختلفة ويبلغوا لما تعدي أتوبيسات وخطوط نقل عام معينة من قدامهم، علشان مطوري الأبليكيشن يقدروا يتراكوا (track) الأتوبيسات ويتوقعوا هتبقى فين بعد لحظة التبليغ من خلال لوغاريتم (algorithm) معين".

يحكي طايل عن ظروف عمل وصفها بالصعبة "كنت بشتغل حتى يوم أجازتي، لأن مطلوب مني كل يوم الساعة 7 الصبح أتصل بكل الناس أتأكد إنهم في مكانهم، وأبقى أونلاين 24 ساعة عشان أتأكد الناس فين وعملت إيه، 20 واحد كل يوم بتراك حوالي 20 منهم".

تحدّث طايل عن ساعات عمل غير محدودة، وأعباء إضافيّة على عمله الأصلي، إضافة إلى تعامل لم يكن يحبّه من فريق عمل الشركة "بيتعاملوا مع الناس على إنهم لو مش ديفيلوبرز فهم أغبياء، بقترح حلول فبيرفضوها عشان أنا مش زيهم، وبعدها بشهرين تلاقيهم بيعملوها ومحدش فاكر إن أنا قلت الكلام ده أصلًا".

يضيف طايل "السبب الوحيد اللي خلاني بشتغل حاجة زي كده هي الفلوس"، لكنه في النهاية قرر ترك عمله.

الراتب أو المستقبل المهني؟

المقابل المادي كان عاملًا أساسيًا في مغادرة سلمى باكي عملها في شركة الـ "ستارت أب" التي عملت بها لعام كامل "أنا كنت زعلانة لأني كنت بحب المكان بس أنا عايزة أشتغل بمرتب كويس".

لم تكن الصورة في عيني سلمى عندما تحدّثت إلى المنصة قاتمة كالصورة التي حكاها مروان، لكنها أيضًا لم تنكر وجود سلبيات في العمل لصالح هذا النوع من الشركات "فيه سلبيات وإيجابيّات، الإيجابيات إنك بتبقى قادرة تشوفي ناتج شغلك بشكل واضح، خاصة لما بندخل مسابقة ما بين الـ start ups  أو الـ Summit  في الـ Greek campus (الحرم اليوناني للجامعة الأمريكية في وسط القاهرة) وبنلاقي الناس منبهرة بالشغل".

تضيف سلمى" لكن في المقابل ضغط الشغل بيبقى صعب، كمان إن مافيش سيستم ثابت ومدروس للمكان، الشركات دي عادة السيستم فيها كل شوية بيتغيّر، والفلوس قليلة جدًا فمحتاجة اللي بيشتغل فيها يبقى فاهم ده وعنده حماس لفكرة الشركة ومؤمن بيها وشايفها شركته".

أنت عمود

لم تكن سلمى مجبرة على العمل ساعات طويلة في الشركة، لكنها كانت تعمل ساعات طوال بفعل طبيعة العمل ونوعية المهام الملقاة على عاتقها كمسؤولة عن التسويق "كل ماكان قلبك على الشغل ووراكي شغل أكثر كل ما هتلاقي نفسك قاعدة بتشتغلي وقت طويل" تقول سلمى أنها لم تكن تشعر بالظلم إزاء هذا الوضع "كنّا بنبقى مضغوطين أوي بس الـ CEO (المدير التنفيذي للشركة)  كمان بيبقى مضغوط في الشغل ومزنوق في الفلوس كمان، أنا اعرف CEOs بيبعوا أملاكهم عشان يقدروا يمشّوا الشركة ويدفعوا مرتبات الموظفين".

ترى سلمى أن الشركات المتناهية الصغر مكان مناسب للشخص صاحب الأولويات المرتبطة بالمهنة ومستقبله الوظيفي وليس الراتب والمستوى المادي "إنت هناك مش صامولة في مكنة كبيرة، إنت عمود من أعمدة المكان".

خلال الأيام الماضية، تجادل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي حول شكاوى الموظفين السابقين في شركة سويفل، فمنهم من وصفهم بالتفاح الفاسد ونشر قائمة سمّاها NO Hire list، تضم أسماء كل من اشتكوا أو شجّعوا الشكاوى بحق الشركة وبيئة العمل بها، معتبرين أنهم أضروا بشركات كسويفل وغيرها من الشركات التي ما تزال تبني وجودها في السوق، ومنهم من رأى أن المسألة تتطلب مراجعة من المسؤولين في الشرطة لنظام الإدارة.

 

https://www.facebook.com/plugins/video.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FAndeel%2Fvideos%2F10161417694725224%2F&show_text=0&width=560

الـ ستارت أب يقول لك: اتصرّف

لسلمى وجهة نظر مختلفة "طبعًا مش من حق حد يجبر يشتغل كتير وخلافه، بس العقلية اللي المفروض تحكم موظف الـ ستارت أب إنه طول الوقت بيدور على حلول، مافيش واي فاي، اتصرف، افتح الهوت سبوت، لو سبت إيدك واستنيت حد يحل في كل مشكلة قدامك الشركة هتقع".

تقول سلمى أن أكثر ما أحبته في الشركة التي عملت بها هو أنهم يعملون جميعًا لأجل الشركة كأسرة واحدة، وهو بالظبط، مالايحبه رامي ممتاز (اسم مستعار) في بيئة هذه الشركات.

أسرة واحدة. فعلًا؟

"ماكنتش بحب محاولات الـ CEOs التقرب من الموظفين بشكل شخصي، عشان يحسسوهم بالذنب تجاه شركتهم فيشتغلوا كتير وما يمشوش لو جاتلهم عروض أحسن". يضيف"يحضروا أفراحك، يعملوا ديش بارتي في رمضان أو نفطر سوا، أو يعزم الموظفين على الغدا".

يملك ممتاز شركة متناهية الصغر في الوقت الحالي، يحاول فيها ألا يقع في أخطاء الـ CEO الذي احتك به سابقًا كموظف موارد بشرية في شركة أخرى.

كان ممتاز يعمل في شركة متناهية الصغر كموظف موارد بشرية، يقول إنه حاول مرارًا إقناع المدير التنفيذي بأهمية تحديد ساعات عمل لموظفي الشركة "كان رده إن مافيش الكلام ده"، يحكي ممتاز أنه رأى موظفين في الشركة يرفضون عروضًا برواتب كبيرة من أجل الجو العائلي الذي يصنعه المديرون في الشركة التي عمل بها "لكن أغلب الجو ده بيبقى Fake (مزيف)".

يعني إيه إجازة زواج؟

يحكي ممتاز عن إحدى العاملات بالشركة "رفضت عقود بأضعاف راتبها اللي بتاخده في الشركة عشان خاطر المكان وهي حبّاه، مع إنها كانت شاطرة جدًا بس كانت حاسة إن فيه جو أسري وهنا أفضل وكده، لكن مثلًا لما حبت تاخد أجازة جواز شهر رفضوا وخلوها أسبوعين، ساعتها اتضايقت وحسّت إن المسألة مش زي ما هي كانت متخيلة فمع أول فرصة جديدة مشيت".

عمل ممتاز في هذه الشركة كموظف موارد بشرية، لكنه تحمّل مسؤولية مهام أخرى كالتسويق والسوشيال ميديا "لما قريت الكلام اللي اتكتب عن سويفل افتكرت نفسي وأنا في الشركة ديه"، لكنه لايرى أن الهجوم اللاذع الذي يتعرّض له أصحاب سويفل صحيًا.

 

المالك يعمل أيضًا

يقول ممتاز أنه يجد نفسه في نفس الموقف مع موظفيه الأربع في الشركة الحالية التي أسسها "أنا بشيل أغلب الشغل كقطاع كبير من ملاك الشركات ديه بنشتغل ليل نهار عشان خاطر المكان ينجح، لأن محدش هيشتغلك شغلك، بس في نفس الوقت ببقى محتاج الموطفين يشيلوا معايا بقدر الإمكان". 

يضيف "الضغط اللي ممكن يكون على الناس في سويفل أكيد كبير وعشان كده ممكن جدًا يكون حد خرج عن شعوره، كلنا بيحصل معانا كده".

لا يريد ممتاز أن يصنع وضعًا مماثلًا لما احتك به في الشركة القديمة، لكنه يحتاج العاملين معه ليعملوا أكثر مما يعمل الموظف في الشركات الكبيرة "أنا فاهم إنهم في الآخر موظفين بيشتغلوا بمرتبات، بس ساعات بحاول أقنعهم إنهم لازم يشتغلوا أكثر، لو ما قدرتش ما بجبرهمش".

 

قوانين عمل؟ في مصر؟

يربط ممتاز بين قوانين العمل المصري والفوضى التي تحدث في بعض الشركات الصغيرة، ويقول أنها سببًا رئيسيًا فيما يحدث لأنها لا توفر صيغ واضحة للعلاقة ما بين العاملين وأصحاب الشركات تناسب الطرفين "أنا عندي أربع موظفين مش ماضي معاهم عقود عشان ما أدفعش ضرائب كثير في وقت أنا مش معايا فيه فلوس"، يقول ممتاز أن شركات أخرى تلجأ لتوثيق عقود بمبالغ أقل من الذي يتقاضاه الموظف بالفعل من أجل هذه المشكلة.

يضيف "فيه ناس بتحط شروط جزائية عشان الموطفين ما يسيبوهمش فجأة، خاصة إن قانون العمل حاطط 14 يوم للإبلاغ قبل الاستقالة، ودي فترة قليلة. المنطقي يبقى شهر، كمان في ناس في شركات كبيرة وصغيرة بيمضوا الموظفين على استمارة 6 قبل ما يشتغلوا عشان لو حصل حاجة يحموا نفسهم، القانون محتاج يبقى بصيغة واحدة مرضية للطرفين عشان يقضي على الفوضى دي".

 

كل جنيه قصاده عشرة

من وجهة نظر محمد عبّاس مؤسس أحد تطبيقات الموبايل وصاحب شركة متناهية الصغر أن النظام الجيد يؤسس عندما يكون لدى المستثمر الأموال الكافية "الماليات دائمًا هي اللي بتخلق السيستم، الفلوس هتخليك تجيب حد إتش آر محترم يعملك سيستم محترم وهكذا، طول ما انت صغير حتى الموظفين هيبقوا شايفينك صغير". 

يقول عبّاس أن تجربته مع الـ "ستارت أب" جعلته يدرك أهمية أن يتحمّل أصحاب الشركة الجزء الأكبر من العمل، حتى وإن كان هذا المبدأ يحرم المؤسس نفسه من التوازن بين عمله وحياته "الموظفين بياخدوا 20% من الوقت الزيادة وإحنا اللي بناخد 80%، لأن دي مسؤوليتك إنت كفاوندر، الموضوع بيبقى متعب لأقصى الحدود خاصة لو انت مش متفرغ ليه".

عمل عبّاس في عدد من الشركات الكبيرة، منها شركات متعددة الجنسيّات، ومازال يعمل في إحداها إلى جانب عمله على مشروعه الخاصة. يقول إن "المزايا المقدّمة لموظفي الشركات الكبيرة أفضل وأكبر بكثير من التي تقدمها الشركات المتناهية الصغر، وهو ما يجعل العاملين في هذه الشركات يشعرون بالملل في البداية مع فتور دورة العمل، وبالضغط بعدها عندما تتعدد المهام المطلوبة".

يضيف "الناس بتقع منك وبتمشي لسببين إما إنك مش دارس الموضوع صح، فتدي الموظف أكثر من الشغل اللي يقدر يعملوا أو إن مجهود مش كبير بس في حد تاني برّه بيدفع في المجهود ده أكثر".

يقول عبّاس أنه واجه هذا التحدّي باعتماده على "أهل الثقة مش أهل الخبرة، يعني أغلب الناس اللي بيشتغلوا في الـ Operation team (فريق العمليات) ناس عارفينهم وعندهم الأساسيات واحنا اشتغلنا عليهم لفترة".

يتابع عبّاس الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول ظروف العمل في شركة سويفل، يقول إنه كمؤسس لواحدة من الشركات الصغيرة يتفهّم الضغط عليهم "إنت لو رجل أعمل وحاطط خطة عمل إنك تكسب السنة ديه عشرة مليون جنيه وكسبت سبعة، مش هيبقى فيه مشكلة لأن ديه فلوسك، هتزعل بس إنت برضو كسبان، لكن لما تاخد Fund الموضوع بيختلف".

يقول عبّاس أنه يضع نفسه مكان مؤسسي الشركة الذي وقعوا عقودًا العام الماضي بملايين الدولارات كتمويل "اللي هيديك جنيه هيبقى محتاج قصاده عشرة، أنا متخيل نفسه مكانهم، هبقى قاعد بآكل في نفسي، وأعتقد إن ده هو السبب اللي يخلي الناس تتعامل مع الموظفين بعلقية الـ cost reduction (تقليل التكلفة) اللي هو هيمشيك وأجيب غيرك".

لكنه يرى أن فقر بيئة العمل أو سوءها مرتبط مباشرة بالمديرين ومدى تواصلهم مع مرؤوسيهم " أنا اشتغلت في شركات كبيرة منها مالتي ناشيونال، كل شركة فيهم لها شكل مختلف ونظام مختلف، الوورك إنفايزومنت مالهاش علاقة بقوانين البلد ولكن لها علاقة بالمدراء، هو اللي بيحط البيئة ديه، لو الناس ديه عازلة نفسها عن التيم اللي تحت البيئة بتبقى سيئة والعكس صحيح".