الحكمتان الشقيقتان ياسمينا وهايدي- الصورة: الاتحاد الدولي لكرة اليد

مع ياسمينا وهايدي حكمتا كرة اليد: من دورة رمضانية إلى الأولمبياد

منشور الخميس 6 مايو 2021

درست ياسمينا السعيد الصيدلة في جامعة عين شمس، فيما درست أختها هايدي الإعلام بالأكاديمية البحرية، لكن تفوقهما الأكاديمي لم يكن السبب في شهرتهما التي ازدهرت خلال الأيام الماضية، بل شغفهما بكرة اليد التي لم تبرزهما داخل المجتمع المصري فحسب وإنما أوصلتهما كذلك إلى أولمبياد طوكيو.

بعد إدارتهما الناجحة لقمة كرة اليد المصرية بين الأهلي والزمالك في المباراة الحاسمة لتحديد بطل الدوري، شغلت الحكمتان الشابتان اهتمام السوشيال ميديا التي أشادت بمستويهما اللافت، لكنه اهتمام في طريقه للازدهار مع مشاركتهما المرتقبة، بعد أقل من ثلاثة أشهر، خلال الأولمبياد التي ستستضيفها العاصمة اليابانية طوكيو في الثالث والعشرين من يوليو/ تموز المقبل.

في أثر الأم

تكبر ياسمينا أختها هايدي بسنة، فهي من مواليد 1995 أنهت دراسة الصيدلة في عام 2018، لكن من يراها بصحبة هايدي لن يقتنع أنهما ليستا توأم أو أن هايدي على أقل تقدير ليست هي الأخت الكبرى.

بدأت قصة الفتاتين مع كرة اليد منذ طفولتهما تأثرًا بوالدتهما التي كانت تمارس الرياضة وشجعتهما على ممارستها بالمثل، ولعبت ياسمينا في مركز حارس المرمى وهايدي في مركز صانع اللعب في أندية الطيران ثم الزهور فنادي الشمس، لكن حلمهما بتمثيل مصر في كأس العالم تعثر أمام عدم وجود منتخب للسيدات في تلك اللعبة من الأساس، ولم تكن بطولة الجمهورية التي حققتاها مع أنديتهما كافية لإشباع طموحهما، ولأنهما لم تكونا مهتمتين بمجال التدريب اتجهتا للتحكيم أملًا في إدراك أمانيهما بالتمثيل الدولي، لكنهما لم تتوقفا في الوقت نفسه عن السعي من أجل تكوين منتخب لسيدات كرة اليد، من خلال الحملة التي بدأنها بصحبة زميلاتهما من اللاعبات في يونيو/ حزيران تحت عنوان "احنا الأبطال" لدعم تكوين منتخب لكرة اليد وضمان حقوقهن بعقود احترافية مع أنديتهن.

لكن رحلة الفتاتين في عالم التحكيم لم تكن سهلة كذلك، فباستثناء والدتهما التي حرصت على تشجيعهما بحضور كل مباراة تحكِّمان فيها، كانت ياسمين وهايدي، كما تحكيان في حوارهما للمنصة، تواجهان عبارات تنمر كثيرة من نوع  "إيه اللي جايبكم هنا مش معاكم حد كبير؟"

في الواقع ليست هايدي وياسمين أول فتاتين تمارسان وظيفة التحكيم في كرة اليد، لكنهما الأصغر بين قائمة طويلة من الحكمات تضم دكتورة منيرة مرقص ميخائيل، أول حكم دولي في لعبة كرة اليد في العالم، وإحسان شبند، وأميمة نسيم التي كانت من الأسباب الأساسية لحبهما مجال التحكيم بدعمها وتشجيعها المتواصل على حد وصفهما.

حكمتان في عمر المراهقة

كانت ياسمينا في عمر السابعة عشرة وهايدي في سن السادسة عشرة حينما حكَّمتا أول مباراة لهما، تتذكران المناسبة جيدًا "كانت دورة رمضانية في 2012 تحمل اسم المرحوم فتحي سليمان الحكم الدولي السابق".

تحكي هايدي، التي كانت صاحبة المبادرة، للمنصة، أنها  حكَّمت مباراة واحدة في تلك الدورة التي كانت مدتها ثلاثة أيام "سألونا من منكما ستحكِّم فوافقت لأن ياسمينا كانت خائفة"، لكن ذلك الخوف سرعان ما تبدل بتشجيع الأخت الصغرى لتظهر ياسمينا كحكم لأول مرة في الأسبوع الثاني من الدورة الرمضانية، ولم تنتظر الأختان طويلًا حتى اجتمعتا في ثان مباراة لكل منهما كحكمتين في المواجهة بين فريقي مدينة نصر والنصر مواليد 2002 للذكور ضمن بطولة منطقة مدينة نصر.

 

الحكمتان الشقيقتان ياسمينا وهايدي- الصورة: الاتحاد الدولي لكرة اليد

تؤكد ياسمينا وهايدي أن مشوارهما مع التحكيم لا يسري بسهولة حتى الآن، صحيح أن لاعبي كرة اليد وكل من له علاقة باللعبة صاروا يعرفونهما واعتادوا وجودهما في المباريات، لكنهما ما تزالا تواجهان التعليقات السلبية ذاتها "يوم مباراة الأهلي والزمالك كان الموضوع غريب، البعض سأل هل في بنات وصغيرين في السن بيحكموا هاندبول؟ من وقت ما دخلنا ناخد مفتاح الغرفة والكل مستغرب؛ بنات وصغيرين وهيحكموا مباراة أهلي وزمالك؟ الموضوع مكنش سهل".

الأمر نفسه تكرر مع الفتاتين خلال مشوارهما الدراسي، حيث اضطرتا في كثير من الأحيان إلى تأجيل بعض المواد الدراسية بسبب مشاركتهما في بطولات، حتى إن أستاذًا جامعيًا نصح ياسمينا "اتركي الرياضة للصيف" فالبعض لا يعرف أنهما محترفتان.

تعتبر ياسمينا وهايدي أنهما تواجهان نوعين من التمييز؛ واحد إيجابي بتحاشي اللاعبين والمدربين التلفظ بأي لفظ خارج أو إتيان أي فعل خارج عن المألوف أمامهما، حتى إن اللاعبين أحيانًا يعتذرون لهما حينما يصدر عنهم أي تصرف غير مقبول، لكن على الجانب الآخر يتعمَّد البعض أحيانًا أن "يرفع صوته" اعتراضًا على قراراتهما لإجبارهما على العودة عنها باعتبارهما فتاتين "اللاعبون الكبار يدعموننا وآخرون رافضين وجود حكام فتيات؛ بعض اللاعبين الكبار توقع لنا الظهور في الأولمبياد".

يقول يحيى الدرع، لاعب الزمالك وأفضل لاعب في بطولة إفريقيا 2020، لموقع الاتحاد الدولي لكرة اليد إن الشقيقتين ياسمينا وهايدي حكمتان متميزتان، ولديهما رؤية ولا ترتكبان أخطاءً تحكيمية كثيرة.

تذكرة إلى الأولمبياد

لم تكن مباراة الأهلي والزمالك التي جمعتهما يوم 19 أبريل/نيسان الجاري، وانتهت بتتويج الزمالك بلقب الدوري، مصيرية للفريقين فحسب، ولكنها كانت صعبة كذلك كونها جاءت بعد يومين فقط من آخر مباراة جمعتهما في ختام الدوري وانتهت بالتعادل في الثواني الأخيرة، لكن ياسمين وهايدي أعدتا نفسيهما جيدًا بدراسة شريط تلك المباراة  مرارًا، وتناقشتا كثيرًا حول سيناريوهات إدارتهما للمباراة، وهو ما تكلل بما حازتاه من إشادة واسعة كانت أحد أسباب اختيار الاتحاد الدولي لكرة القدم لهما لتكونا ضمن أطقم الحكام المشاركة في أولمبياد طوكيو 2021  التي ستقام الصيف المقبل

إن حلم الفتاتين بتمثيل مصر عالميًا لن يتحقق فقط بمشاركتهما في الأولمبياد، ولكنهما ستدخلان التاريخ كذلك كأول حكمتين من قارة أفريقيا تحكِّمان في البطولة التي تستضيفها طوكيو.

لكن الثنائي المصري لن يكون الحالة الأولى للتحكيم النسائي في الأولمبياد، فالتوأم الفرنسي شارلوت وجولي بونافنتورا وصلتا لتكونا أول حكمتين تديران نهائي الرجال في الأولمبياد في لندن 2012.

 

تعتبر ياسمينا وهايدي التوأم الفرنسي قدوة لهما؛ تقولان للمنصة إنهما حين كانتا تشاهدانهما صغيرتان كانتا ترينهما "كبيرتان وبعيدتان" وهما تحكِّمان في بطولات اليد، حتى زاملاهما في كأس العالم للسيدات في اليابان 2019  "كنا نحكم ونجلس معهما، علاقتنا بهما جيدة وحين كانتا في مصر 2021 كانت هايدي في الملعب معهما وعاملاها جيدًا".

خطوتنا وسع الكون

تسبق خطوات ياسمينا وهايدي ما يمكن أن يدركه غيرهما في تلك السن الصغيرة، وذلك بفضل مستواهما اللافت "حكمنا مباراة الكونغو وكوت دي فوار في دورة الألعاب الأفريقية 2015، وكانت أول مرة نحكم فيها في أفريقيا مباريات للرجال، المباراة كان بها حسبة فمن سيخسر سيواجه مصر في ربع النهائي والفريقان لم يريدا مواجهة منتخب مصر لخشيتهما من الخروج المبكر، قدمنا مباراة رائعة هنأنا عليها رئيس الاتحاد الأفريقي وقال لنا إن خبرًا سعيدًا في انتظارنا، في اليوم التالي حكمنا نصف نهائي السيدات والخبر السعيد كان دخولنا لامتحان الشارة الدولية للحكام؛ لم نكن من ضمن الحكام الذين سيمتحنون من الأساس. كما أن الخطة التي كانت موضوعة لنا هي تمثيل مصر في أولمبياد 2024 لكن مستوانا وتطورنا يغير دائمًا الخطة ويسبقها بخطوات".

لكن الشقيقتين اللتين تخوضان مسيرتهما في وثبات طويلة، تملكان صبرًا رغم ذلك، حيث لم تشعرًا بحزن كونهما لم تختيرا للمشاركة في  بطولة العالم لكرة اليد استضافتها مصر مؤخرًا، يقلن للمنصة "مصر كان يمثلها طاقم مكون من كابتن علاء حسن وكابتن حسام معتمد، هما أكبر ولديهما خبرة فمشاركتهما كانت طبيعية، ما زلنا صغارًا وأمامنا مستقبل، حلمنا الأول في التحكيم في الأولمبياد سيتحقق والتالي التحكيم في كأس العالم للرجال مثلما فعلت فتيات فرنسا".

النساء تحكمن

صار عدد السيدات اللائي يحكمن مباريات كرة اليد في منطقة القاهرة أكبر من الرجال، بحسب الشقيقتين اللتين تظنان أن تجربتهما ربما ستلهم أخريات وتفتح الباب لدخول المزيد من الفتيات إلى ذلك المجال، لكنهما تعتقدان أن لعبة كرة اليد بشكل عام تستحق مزيدًا من الاهتمام الإعلامي، فالمنتخب الأول سابع العالم ومنتخب الشباب حامل برونزية بطولة العالم أما منتخب الشباب فتوِّج بلقب بطولة العالم.

تدلِّل الشقيقتان على غياب الاهتمام الإعلامي باللعبة، أن مجتمع التشجيع الرياضي تعرَّف عليهما بعد رؤيتهما في لقاء الأهلي والزمالك، رغم دخولهما مجال التحكيم منذ سبع سنوات، وتحكيمهما في مستوى الرجال منذ ثلاث سنوات، الأمر ذاته تريانه بالنسبة للاعبين، فالجمهور لم يكن ليعرف كثير من لاعبي كرة اليد دون انضمامهم للمنتخب.


اقرأ أيضًا: المصنف اﻷول في التنس بمصر.. عن النجاة من قارب الفساد وحلم "الجراند سلام"

 


لكن الشعبية الأضعف مقارنة بكرة القدم ليست وحدها ما يؤرق لاعبي كرة اليد، فممارسو اللعبة التي لم تدخل عالم الاحتراف بصورة كاملة في مصر يضطرون للعمل في وظائف أخرى بجانب ممارستهم الرياضي، فهايدي نفسها تسعى حاليًا للدخول إلى عالم الصحافة الرياضية لكن غير قادرة بعد على التوفيق بين ممارستها التحكيم والمجال الذي تحب أن تعمل العمل فيه، أما ياسمينا فتعمل بإحدى سلاسل الصيدليات الشهيرة في مصر، وحظها أفضل من شقيقتها، حيث يبدي زملاؤها قدرًا كبيرًا من التعاون وقت البطولات بـ"تغطية شيفتاتها".

غير أن حظ هايدي العسر يتجاوز مجال العمل إلى المجال الاجتماعي، فقد اضطرتها المشاركة في إحدى البطولات إلى تفويت زفاف صديقتها الأقرب "كنت أحكِّم مباراة في الصباح وفي المساء كنت مسافرة إلى الكونغو؛ وصلت الحفل آخر واحدة بشنطة سفري وفي منتصفه تركته لأسافر، صديقتي غضبت قليلًا لكنها تدرك حبي لكرة اليد"؛ تمتلك الشقيقتان أصدقاء محبين رغم ذلك، فبقدر تفويتهما كثير من المناسبات الحميمة يتفهم أصدقائهما الأسباب ويقابلون ذلك بمزيد من الدعم "أصحابنا على أنستجرام كانوا فخورين بخبر مشاركتنا في الأولمبياد وسعداء بيه جدًا، حتى اللي قابلناهم مرة واحدة بس في حياتنا".

ربما أجلت جائحة كورونا الأولمبياد عامًا كاملًا حتى تشارك الأختين في الحدث العالمي، لذلك تحلم ياسمينا وهايدي بتقديم مستوى متميز في أولمبياد طوكيو يرضيهما ويقنع الاتحاد الدولي للعبة بجدوى اختيارهما، ويطمحان للتواجد كذلك في أولمبياد 2024 التي ستقام في باريس، وتحكيم مباراتها النهائية، لكنهما  تدركان جيدًا أن عليهما بذل مزيد من الجهد للوصول إلى ذلك.