تصميم أحمد بلال، المنصة
المنصة تحجب صفحتها الرئيسية تضامنًا مع الصحافة الفلسطينية، 1 سبتمبر 2025

بالتسويد.. احتجاج عالمي على مقتل الصحفيين في غزة

منشور الثلاثاء 2 أيلول/سبتمبر 2025

تضامنًا مع الصحفيين الفلسطينيين، واحتجاجًا على استمرار إسرائيل في قتلهم واستهدافهم، اتشحت أكثر من 250 وسيلة إعلامية في خمس قارات بالسواد، وحَجبت صفحاتها الرئيسية أو أبرزتها بشارات سوداء، في خطوة احتجاجية نادرة ومنسقة تستهدف وضع حد لقتل الصحفيين في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عامين.

جاءت حركة الاحتجاج العالمية بعد أشهر من مناشدات أطلقتها منظمات معنية بحرية الصحافة ووكالات أنباء، طالبت خلالها إسرائيل برفع الحظر المفروض على دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة، ووقف استهداف الصحفيين الفلسطينيين.

من العواصم الكبرى إلى المدن الصغيرة، توحدت مؤسسات إعلامية في أكثر من 70 دولة في مشهد تضامني غير مسبوق، تكريمًا لزملائهم في غزة. وشاركت المنصة في هذه الحملة، تأكيدًا على قناعة راسخة بأن الصحافة لا يجوز أن تكون ضحية للحروب.

الحملة التي نظمتها منظمة "آفاز" و"مراسلون بلا حدود/RSF" عكست شعورًا متزايدًا لدى وسائل الإعلام الإقليمية والدولية بأن الجهود الدبلوماسية التقليدية والتحركات الحقوقية لم تفلح حتى الآن في حماية الصحفيين على الأرض.

الصمت احتجاجًا

صحيفة L'Orient-Le Jour الكندية تسود صفحتها الرئيسية تضامنًا مع الصحفيين الفلسطينيين في غزة، 1 سبتمبر 2025

تنوعت أشكال الاحتجاج لتلائم كل وسيلة إعلامية وتُضاعف من قوة الرسالة. فبينما صدرت صحف ورقية بصفحات أولى سوداء بالكامل، كتعبير رمزي بصري عن فراغ المعلومات، وضعت مواقع إلكترونية شارات سوداء على صدر صفحاتها الرئيسية أو سوَّدتها بالكامل وتركتها فارغة دون أي قصص صحفية.

أما القنوات التليفزيونية والإذاعية، ومنها الجزيرة وRTV Slovenia فأوقفت بثها لتذيع بيانًا موحدًا، بث أحيانًا على خلفية شاشة سوداء أو إيقاع ساعة تدق.

كانت هذه الخطوة أكثر من مجرد دعوة للحماية؛ بل تعبيرًا جماعيًا عن مقاومة حرب تستهدف الصحافة نفسها.

أزمة خلف الحدود المغلقة

قبل هذه الحملة، كان الصحفيون في أنحاء العالم وجهوا رسائل مفتوحة، وعقدوا مؤتمرات صحفية، وضغطوا على الحكومات لمطالبة إسرائيل بوقف القتل والسماح للإعلام الدولي بالدخول إلى غزة، لكن دون جدوى.

فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2023، مُنع الصحفيون الأجانب من دخول القطاع، فيما واصل الصحفيون الفلسطينيون العمل بموارد محدودة، ومن دون حماية، تحت تهديد مستمر، ليكونوا وحدهم الشهود على الدمار من الداخل.

"بالوتيرة التي يُقتل بها الصحفيون في غزة على يد الجيش الإسرائيلي، لن يبقى قريبًا مَن ينقل الحقيقة للعالم"، قال المدير العام لمراسلون بلا حدود، تيبو براتان، مضيفًا "هذه ليست حربًا على غزة فقط، بل حرب على الصحافة ذاتها".

ووفق مراسلون بلا حدود ارتفع عدد الصحفيين الذين قتلتهم إسرائيل في غزة إلى 247 صحفيًا على الأقل، في أعلى حصيلة يسجلها أي نزاع مسلح ضد الصحفيين عبر التاريخ.

في مقابلة مع وكالة LUSA قال رئيس تحرير صحيفة بوبليكو البرتغالية ديفيد بونتيس "في هذه الحرب، إسرائيل لا تستهدف المباني فقط، بل تفكك البنية التحتية للحقيقة".

صحيفة Ossigeno الإيطالية تضامنًا مع الصحفيين في غزة، 1 سبتمبر 2025.

تعتيم عابر للحدود

ملأت الصفحات السوداء الحيز المادي والإلكتروني في أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

وإلى جانب المشهد البصري الموحَّد، صدرت افتتاحيات تعكس القلق المشترك.

في افتتاحيتها وصفت صحيفة The Irish Times الأيرلندية عمليات القتل بأنها "حملة مدروسة لإسكات شهود الحقيقة"، وقالت بلهجة تحذيرية "الصحافة في غزة أصبحت مهنة على خط النار لكن بلا درع".

ودافعت عن الصحفيين الفلسطينيين في غزة مؤكدة أن "تقاريرهم كثيرًا ما دعمتها صور أقمار صناعية ووكالات إنسانية وشهادات ناجين، وكانت مصداقيتهم أقوى من تبريرات المتحدثين الرسميين".

أما Times of Malta فاعتبرت في افتتاحيتها أن الصمت العالمي "يحول حصار غزة إلى حصار للإعلام أيضًا"، وقالت "حين يغيب الشهود ولا يبقى من ينقل الحقيقة، تموت الحقيقة نفسها".

صحيفة الجارديان البريطانية نشرت قائمة بأسماء الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بداية الحرب، مؤكدة أن "هذه الأسماء لا تمثل فقط أرواحًا فُقدت ومستقبلًا ضاع وعائلات ثكلى، بل أيضًا جيلًا كاملًا من الصحفيين الذين قُتلوا أثناء أداء واجبهم في ظروف بالغة القسوة، والذين لا يمكن تعويض شجاعتهم وتفانيهم في تغطية النزاع".

اتسعت الحملة لتشمل إلى جانب وسائل الإعلام أكثر من 30 نقابة واتحادًا صحفيًا، مضيفة ثقلًا مؤسسيًا لرسالة التضامن. ومن بين هذه النقابات الاتحاد الدولي للصحفيين، والاتحاد اللاتيني للصحفيين/FELAP، والاتحاد الوطني للصحافة في إيطاليا/FNSI. الجميع طالب بمحاسبة المسؤولين وضمان حماية الصحفيين.

وفي العاصمة البنجلاديشية دكا، أقامت صالة عرض دريك معرضًا لتكريم للصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة، مبرزة مطالب الحملة بالعدالة.

تضامن داخل غرف الأخبار

سعى الصحفيون حول العالم للمشاركة في الحملة، سواء عبر المؤسسات الإعلامية التي أيدتها رسميًا أو خلال مبادرات فردية داخل غرف التحرير.

الصفحة الأولى من صحيفة الإندبندنت البريطانية تدعو لحماية الصحفيين في غزة، 1 سبتمبر 2025.

في فرنسا، أعلنت جمعيات صحفية تمثل نحو 40 مؤسسة، بينها Courrier international وFrance 24، دعمها المستقل للحملة.

وفي بيان مشترك، أكدت تضامنها مع الصحفيين الفلسطينيين، ونددت بالظروف القاتلة التي يعملون فيها، وقالت "هذا ليس قرارًا سياسيًا، بل واجب مهني".

ردود إسرائيلية

من جانبها، أدانت وزارة الخارجية الإسرائيلية الحملة واعتبرتها "بيانًا سياسيًا معدًا مسبقًا ضد إسرائيل"، مضيفة "هذه ليست صحافة، بل سياسة".

وجددت الحكومة الإسرائيلية زعمها بأنها "لا تستهدف الصحفيين عمدًا، فيما وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقتل خمسة صحفيين فلسطينيين في غارة واحدة بأنه "حادث مأساوي".

كما شنّت وسائل إعلام إسرائيلة ومؤيدة لإسرائيل هجوماً على الحملة. واعتبرت Honest Reporting الحملة "مناورة إعلامية فاشلة انتهكت الصحافة لتشويه صورة إسرائيل"، فيما وصفت "كاميرا يو كيه" الاحتجاج بأنه "صدى للمنظمات غير الحكومية يعزز السردية المعادية لإسرائيل"، متهمة وسائل إعلام كبرى، مثل الجارديان، بـ"تجاهل دور حماس في النزاع وتضليل الرأي العام".

ومع انقضاء لحظة التعتيم عن الشاشات والصفحات الأولى، يبقى النداء مدويًا بضرورة المساءلة، ليس فقط عن الصحفيين الذين قتلتهم إسرائيل في غزة، بل من أجل مستقبل حرية الصحافة في كل مكان.

في نزاع باتت فيه الحقيقة نفسها هدفًا، جاء صوت أكثر من 250 مؤسسة إعلامية واضحًا: يجب حماية الصحافة لا معاقبتها. فغياب التغطية المستقلة يعني غياب الشفافية والعدالة، ويغلق باب الأمل أمام أولئك الذين يعيشون ويموتون في ظلال الحرب.