تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة 2025
قروض الدراسة تنقذ الطبقة المتوسطة

تعليم بالتقسيط.. قروض المدارس تنقذ أحلام الطبقة الوسطى

منشور الأربعاء 3 أيلول/سبتمبر 2025

امرأتان تقفان أمام كاشير أحد المطاعم، ومعهما ابنتهما. وقبل أن ينطق عاملٌ بالمبلغ المطلوب تسأل إحداهما ابنتها عن الحساب؛ تصفها بأنها "كالكيوليتور". فعلًا تُبهر الطفلة الجميع بدقة تقديرها للفاتورة، لكن الأم تنهار في البكاء بسبب ضخامة ما تنفقه على مصاريفها في المدرسة "البريتش". 

هذا مشهد من إعلان لإحدى شركات التمويل الاستهلاكي عن عرض العام لتقسيط مصاريف المدارس شاهده نحو ثلاثة ملايين شخص على الأرجح يشاركون المرأة إحساسها بالتوتر مع اقتراب العام الدراسي، وربما يجدون ضالتهم في قروض "المصاريف".

وإن كان لا يزال هذا النوع من القروض يمثلُ نسبةً محدودةً من القروض الاستهلاكية في مصر، وفق عاملين في مجال التمويل، فإن السنوات الأخيرة أعطيه قوة دفع قوية مع تفاقم مصاريف المدارس الخاصة، ما جعل "تمويل التعليم" أحد أبرز المجالات المرشحة للنمو بقوة خلال الفترة المقبلة.

البحث عن حلول

حسب آخر قرارات وزارة التعليم التي تحدد نسب الزيادة السنوية المسموح بها للمدارس الخاصة، الصادر في 2024، فإن مصروفات المدارس المحلية تدور حول متوسط 5 آلاف جنيه، فيما تبدأ المدارس الدولية من 30 ألف جنيه. 

وبالنظر إلى بيانات المصروفات المنشورة، فإن بعض المدارس الخاصة المحلية يتطلب الالتحاق بها عشرات الآلاف من الجنيهات، كما تطلب نظيراتها الدولية مئات الآلاف وقد تتعدى المليون جنيه.

نماذج لمصروفات المدارس الخاصة الدولية في مصر 2025/2026
اسم المدرسة المصاريف
كايرو أمريكان كولدج بين 14.4 ألف دولار و27.6 ألف دولار
نيو كايرو بريتش سكول بين 495.1 ألف جنيه و906.9 ألف جنيه
مدارس نرمين إسماعيل بين 97.3 ألف جنيه و194.4 ألف جنيه
ماجستي انترناشونال سكول بين 75 ألف جنيه و141 ألف جنيه
ليسيه فرانسيز دو كير  بين 257.5 ألف جنيه و373.7 ألف جنيه

حسب تقدير بدوي علام، رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، لـ المنصة فإن مصروفات المدارس المصنفة على أنها تعليم مرتفع السعر تتراوح في الوقت الراهن بين 300 و350 ألف جنيه سنويًا، إلا أن "نحو 80% من المدارس الخاصة لا تتجاوز مصروفاتها 50 ألف جنيه".

وتسببت موجات التضخم منذ عام 2022 في رفع قيم مصاريف المدارس، كما أن سداد بعض هذه المصروفات بالعملات الأجنبية ضاعف قيمتها بالجنيه مع التعويمات المتتالية.

هذا في الوقت الذي تمثل فيه المدارس الخاصة الملاذ لقطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى تطمح لتلقي أبنائها مستوى تعليم أفضل من الحكومي، حتى وإن كان بمصروفات أعلى، بالتالي لا يكون أمامها إلا اللجوء لأنظمة التقسيط.

ووفقًا لتقرير للبنك الدولي، فإن الضغوط التضخمية الأخيرة جعلت هذه الطبقات أقل قدرة على تحمل الزيادات الكبيرة في المصروفات التعليمية، خصوصًا في ظل انفلات أسعار المكون الأكبر في الإنفاق، الغذاء.

"ليس فقط الطبقات المتوسطة، لكن حتى شرائح الدخل العليا أصبحت تبحث عن نظم التقسيط بعد التعويمات الأخيرة"، يقول أحمد أسامة العضو المنتدب التنفيذي لشركة درايف للتمويل والخدمات المالية غير المصرفية لـ المنصة.

القطاع توسع خلال السنوات الأخيرة ليشمل الراغبين في تمويل برامج الدراسات العليا والالتحاق بالدورات التدريبية المتخصصة

يؤثر التضخم بشكل لافت في مصاريف الأسرة المصرية على التعليم، فوفقًا لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2020/2019، فإن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على التعليم (التي لديها أفراد ملتحقون بالتعليم) بلغ 8850.6 جنيه بنسبة 12.5% من إجمالي الإنفاق العائلي على مستوى الجمهورية، مع ملاحظة أن هذه الأرقام كانت قبل جائحة كورونا وموجات التضخم المتتالية.

وحسب بيانات هيئة الرقابة المالية، فإن أولويات المواطنين في التمويل الاستهلاكي غير البنكي في الوقت الراهن تتراوح بين شراء السيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونيات، لكن مسؤولًا في شركة أمان للتمويل الاستهلاكي يؤكد لـ المنصة أنهم باتوا ينظرون لمصاريف المدارس باعتباره نشاطًا بازغًا مرشحًا للنمو بقوة.

"القطاع يشهد اهتمامًا متزايدًا رغم أنه لا يزال يمثل أقل من 3% من حجم سوق التمويل الاستهلاكي"، يقول المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه.

ويشير سعيد زعتر نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة كونتكت المالية القابضة إلى أن ارتفاع تكاليف التعليم بشكل عام دفع الشركات لتوسيع نطاق هذه التمويلات لتتجاوز التعليم المدرسي "القطاع توسع خلال السنوات الأخيرة ليشمل شرائح جديدة مثل الراغبين في تمويل برامج الدراسات العليا أو الالتحاق بالدورات التدريبية المتخصصة".

المنافسة الشرسة على سوق المدارس

تنافس شركات التمويل الاستهلاكي بقوةٍ البنوكَ على تقديم قروض "المصاريف". وحسب مصادر بهذا القطاع فإن كل طرف يقدم ميزاتٍ تجتذبُ شرائح مختلفة من العملاء.

ينوه مسؤول شركة أمان بأن أفضل ميزة في قروض شركات التمويل الاستهلاكي هي أنها تطلب بيانات قليلة عن العميل، لذا تلجأ إليها الفئات التي لا تستطيع استكمال المستندات التي تطلبها البنوك لإثبات الدخل، كما تتميز الشركات بسرعة الاستجابة.

"يمكن للعميل أن يحصل على القرض خلال يومين فقط بمجرد استكمال الأوراق، بينما في البنوك قد تمتد المدة إلى ثلاثة أسابيع، مع إجراءات تشمل زيارات ميدانية ومراجعات مكثفة" يوضح مسؤول أمان.

ولا يزال نشاط شركات التمويل الاستهلاكي غير البنكية حديثًا على السوق المصرية، إذ بدأ منذ 2020 مع صدور القانون المنظم لهذا النشاط، وبلغ عدد الشركات العاملة في هذا المجال 45 شركة، وتكون تكلفة تمويلها أعلى بين 3% و5% مقارنة بتمويل البنوك، كما يوضح أحمد أسامة، مرجعًا ذلك إلى أن هذه الشركات تتحمل تكلفة اقتراض هذه التمويلات من البنوك ثم توجهها للعميل.

إعلان عن تمويل مصاريف المدارس.

يشير أسامة إلى أن الفائدة حاليًا تبدأ من 25% متناقصة، فمثلًا إذا اقترض عميل لسداد مصاريف قيمتها 100 ألف جنيه سنويًا، سيلتزم بسداد نحو 125 ألف جنيه إجمالًا.

إلا أن البنوك لا تستسلم أمام الشركات في قروض التعليم؛ يفيد مصدر في إدارة ائتمان البنك الأهلي المصري لـ المنصة، طلب عدم نشر اسمه، بأن القروض الاستهلاكية المتاحة من البنوك يمكن أن تكون أكبر قيمة من قروض الشركات و"يمكن أن تصل إلى 9 ملايين جنيه، مع فوائد أقل بنحو 5% مقارنة بالشركات، حتى وإن كانت الإجراءات أكثر تعقيدًا".

ويؤكد محمد عبد العال عضو مجلس إدارة EG Bank لـ المنصة أن بعض البنوك تخفض الفائدة على القروض التعليمية بنسبة 2-3% عند وجود تعاقد مباشر مع الجامعة أو المدرسة، كما تتيح برامج عبر بطاقات Visa الائتمانية لتقسيط المصروفات دون فوائد لفترات تقل عن عام.

في مقابل قروض كل من شركات التمويل والبنوك، تقدم المدارس بنفسها نظمًا لدفع المصروفات الدراسية، تتيح تسهيلات مالية عبر نظام مبتكر يمكن وليّ الأمر من دفع المصروفات على مدى 3، 8 أو 12 شهرًا مباشرة للمؤسسة دون الحاجة إلى وسيط، وهو ما يعتبره أحمد أسامة الخيار الأفضل، إذ لا يترتب عليه دفع فوائد إضافية، وإن كان يعيبه أن المدرسة عادة ما تقسط المصاريف على دفعتين سنويًا ما يجعل الدفعة الواحدة مبلغًا كبيرًا خاصة في المدارس ذات المصاريف المرتفعة. 

يعكس التنافس الحالي بين البنوك والشركات على تمويل مصاريف المدارس الوتيرة المتسارعة لخصخصة التعليم في مصر، التي جعلت أكثر من 2.5 مليون طالب يهجرون المدارس الحكومية منخفضة التكاليف، وأمام الضغوط التضخمية المرتفعة بات أولياء الأمور في حاجة لتمويلات لسداد مصروفات تقدر بمبالغ توازي سعر سيارة أو ربما عقار متوسط.