أفيش الفيلم

الفيل الأزرق 2: جرعة جموح تكسر دائرة الاعتياد

منشور الأربعاء 31 يوليو 2019

تنويه: هذا الريفيو يحتوي على حرق لبعض أحداث الفيلم

انتظر عشاق رواية الفيل الأزرق وكتابات الكاتب أحمد مراد طويلا من أجل أن يشاهدوا الجزء الثاني الفيلم الذي يحمل نفس اسم الرواية التي حققت مبيعات كبيرة منذ أن صدرت عام 2012، والتي تبعها عرض الفيلم المأخوذ عنها بعام 2014 ليحقق هو الآخر ايرادات هائلة.

نجح الجزء اﻷول من الفيلم في إدهاش المشاهدين مثلما فعلت الرواية مع قرائها، عبر حالة الإثارة والرعب التي خلقها في نفوسهم، وهو ما يستكمله صنّاع الفيلم مع الجزء الجديد الذي يسير على نفس الطريق، متخذًا من حرب العلم والطب مقابل السِحر والخرافة موضوعًا له في إطار فني مبهر، عبر التصوير والأزياء والديكور والحيل البصرية (الجرافيك) والرقص والغناء، وبالتأكيد التمثيل.

تدور أحداث الجزء الثاني من الفيل الأزرق بعد خمس سنوات من أحداث الجزء الأول، حيث يتزوج الدكتور يحيى راشد من لبنى الكردي ولكنه يقابل فريدة التي تهدد حياته وحياة أسرته، ولذا يستعين يحيى مرة أخرى بحبوب الفيل الأزرق في محاولة منه للسيطرة على الأمور وحل الألغاز التي تواجهه وإنقاذ عائلته ونفسه.

الفيلم من بطولة كريم عبد العزيز ونيللي كريم وهند صبري، وإياد نصار وتارا عماد وشيرين رضا وخالد الصاوي، وتأليف أحمد مراد ومدير تصوير أحمد المرسي ومونتاج أحمد حافظ وإخراج مروان حامد.

المحافظة في مقابل الجموح

يستمر صراع العِلم في مواجهة السِحر داخل يحيى راشد (كريم عبد العزيز) لكنه يتخذ شكلًا جديًا مع فريدة (هند صبري) التي يتلبسها روح تتحكم فيها، وهي نفسها نفس الجنية التي تتنقل من جسد شخص لآخر لقرون عديدة منذ أن قتلت زوجها. وهي روح عرافة غجرية عاشقة خانت زوجها مع أحد الملوك الذي عشقها، ولكن الزوج اكتشف الخيانة فيقرر أن يحبسها حتى الموت، ولكنها تبيع روحها لجنّي، من أجل أن تعيش إلى الأبد في أجساد أناس مختلفين ولقرون عدة، حتى وصلت إلى جسد فريدة.

 

الغجرية هنا هي امرأة جَموح لا يوقفها شيء، نموذج للغجري الذي يتوق دائمًا إلى الحرية ولا يطيق أي نوع من القيود، حتى قيود وعقود الزواج. فهي امرأة عاشقة لا تحاول أن توقف أو تحبس هذا العشق الذي في قلبها تجاه الملك، ولذلك أحبها الملك بالرغم من أنه متزوج من امرأة جميلة (نيللي كريم).

التناقضات التي نجدها هنا قد تبدو أنها في كفة الملكة (اﻷمر الاعتيادي) ولكنها في الحقيقة تصب في كفة الغجرية (غير الاعتيادي)، وتجسُد صراع المحافظة في مقابل الجموح، والواقع في مقابل الخيال، وهو نفسه ما نقابله في عصرنا الحاضر، حيث أصبح يحيى معتادًا على زوجته لبنى، على الرغم من أنها حب عمره، إلا أن الزواج يجعل كل شيء معتادًا، فيتحول الحب إلى مجرد رابطة بين الزوجين بعد زواجهما، فيفقدا بذلك وهج وجموح الحب الذي كان يشتعل في قلبيهما قبل الزواج.

تجسيد الخيال

هنا تأتي فريدة مثلما جاءت الغجرية من قبل؛ يأتي دورها فتجذب الرجل إليها في كل مكان وزمان، بهذه الحرية والجموح الذي يشبه الفرس التي تنطلق ركضا في الحقول بلا عائق أو فارس يوقفها. فالغجرية، أو روح الغجرية في جسد فريدة، هي تجسيد للخيال الذي يفتقده الإنسان في حياته اليومية المملة، وهو ما يجعل يحيى راشد يعود مرة أخرى إلى حبوب الفيل الأزرق التي تطلق خياله، أو هلاوسه وأحلامه، فتجعله يرى ما لا يستطيع أن يراه بسهولة بسبب غمامة الاعتياد التي أصبحت فوق عينيه، نتيجة الحياة اليومية التي يعيشها.

يبدو بطل الفيلم كسمكة ذهبية حبيسة حوض الماء، تمامًا كالسمك الذهبي في بيت يحيى راشد نفسه. فالسمك لا يرى شيئًا سوى ما حوله، وهذا الحوض الضيق ليس بيئته الأصلية، فالحياة أكبر من هذا الحوض ومن هذا البيت ومن هذه الأسرة الصغيرة، بل أن العالم حتى أكبر مما نراه نحن، فهو يتخطى الواقع لمن يستطيع أن يرى عبر الأحلام والهلاوس و الخيال، وهذا ما يميز اﻹنسان عن غيره من المخلوقات.

نجاح متوقع

يستمر المخرج مروان حامد في ترسيخ رؤيته البصرية في عقول مشاهديه. فيلمًا بعد فيلم يدرب عيوننا وعقولنا على استيعاب وتأمل صورته الجزئية (المقطعة في كادرات ولقطات ومشاهد وفيلم) والكلية (في مسيرته كلها من أول فيلم إلى آخرها). وما زال الدويتو بين أحمد مراد ومروان حامد متماسكًا رغم الانتقادات المستمرة.

رغم الانتقادات القوية التي صاحبت فيلميهما الأخيرين (الأصليين 2017 وتراب الماس 2018) بسبب تفكك الحبكة وضعف بناء الشخصيات والأحداث، إلا أنهما يعودا مرة أخرى ليقدما فيلمًا مترابطا ومتماسكًا إلى حد كبير، من ناحية الفكرة والأحداث والشخصيات، لأن الفيلم مبني بالفعل على شخصيات رواية أحمد مراد "الفيل الأزرق"، وهو ما جعلها متماسكة ولها عمق نفسي يجسدها بالفعل أمام المتفرج، وليست مجرد شخصية كارتونية بلا ملامح حقيقية يستطيع المتفرج أن يتفاعل معها.

الشخصيات في الجزء الجديد، وخاصة شخصية يحيى راشد، قد رُسمت بشكل أكثر عمقًا واحترافية من الجزء الأول، فنحن نكتشف ونشهد في هذا الجزء جزءً أكبر من شخصية البطل في الماضي والحاضر، وحتى ومع نهاية الفيلم نستطيع أن نستشرف ونتأمل مستقبله الذي من الممكن أن نراه بالفعل في جزء جديد من الفيل الأزرق.

شباك التذاكر

يحقق الفيلم في أسبوعه اﻷول إيرادات جيدة، كما يحظى بتقييم مرتفع على IMDB وصل إلى 9.4  ولذلك من المتوقع أن يلقى هذا الجزء نجاحًا قريبًا مما حققه الجزء الأول. ربما لن يستطيع أن يضاهي الجزء الأول في نجاحه، بسبب أن الأول يتميز بالجدة التي يفتقدها الثاني، لكنه سيقترب منه، مشكلًا رغبة لدى الجمهور في مشاهدة جزء ثالث، وهو ما قد يستجيب له صنّاع الفيلم.

يمكن للجزء الثاني من الفيلم أن يشدّك  إليه بسهولة، حتى لو لم تشاهد الجزء الأول، وحتى لو لم تقرأ رواية أحمد مراد التي تحمل نفس الاسم، وبالتأكيد يستطيع الفيلم وصناعه أن يدخلوك في أحداثه لتعيش في أجواء الجن والسحر الأسود والأمراض العصبية، ومع شخصيات دكتور يحيى راشد ولبنى الكردي وفريدة.

يأتي اﻹمتاع في الفيل اﻷزرق 2 عبر الإيهام الذي يخلقه صناع الفيلم، فيجعلنا نحن كمشاهدين نعيش هذه الأحداث وكأنها حقيقية بالفعل. ومع هذا الإيهام وتصديق المشاهد تحدث المتعة الناجمة عن براعة استخدام كل الأدوات السينمائية.

عودة للرواية

تأتي المرحلة الأخيرة في التعامل مع هذا الفيلم، أو أي عمل فني قائم على رواية بشكل عام، بعد خروج المشاهد من السينما، فهذا الجزء الجديد قادر على إثارة الكثير من الجدل من جديد حول رواية "الفيل الأزرق" لتلقى الرواية وكتب أخرى لنفس المؤلف موجة جديدة من الاهتمام، من الشباب المتعطش لمثل هذا الخيال الذي يفتقدونه في حياتهم الطبيعية.

وهذا هو سر نجاح هذه النوعية من الأفلام التي لا تخلو أي سينما حول العالم منها، بل أن كبار صناع الأفلام في تاريخ السينما، مثل المخرج البريطاني الشهير ألفريد هيتشكوك، قد نهلوا من هذه الروايات ومن هذه النوعية من القصص التي تحمل الكثير من الإثارة والتشويق، من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين إلى دور العرض لمشاهدة فيلمهم، فالقصة هي واحدة من أهم عوامل الجذب للفيلم السينمائي، وهو ما نجح فيه الجزء الجديد من "الفيل الأزرق" إلى حد كبير.