صورة عدّلتها المنصة من أرشيف الكاتب باسل رمسيس
باسل رمسيس ورفيق رحلته يوسف على متن القارب يولارا المتجه إلى فلسطين ضمن أسطول الصمود لكسر الحصار عن قطاع غزة. 5 سبتمبر 2025

إلى فلسطين| طرق للرحيل وأخرى للعودة

منشور السبت 6 أيلول/سبتمبر 2025

حكيت في الرسالة السابقة من أسطول الصمود، عن هوسي بالقوارب الصغيرة. اقتنيت مرَّةً مُجسَّمًا صغيرًا لقارب أحمر من جزيرة مينوركا الإسبانية. وكنا وقتها في قلب الجائحة. وضعت صورته على فيسبوك، فعلَّقت واحدة من صديقاتي: أريد هذا القارب لجنيني أرماندو كابو الصغير. 

صديقتي تلك كوبية، اسمها روزا، متزوجة من صديق اسمه أرماندو كابو، واتفقا على تسمية الطفل أثناء الحمل باسم أرماندو كابو. وصلت إلى كوبا بعد ولادة أرماندو المبكرة أثناء الجائحة، وكان في الحضانة في المستشفى. أرسلت لروزا وأرماندو الكبير الأدوية التي طلبا أن أحضرها معي من مدريد إلى الرضيع، ومعها القارب الأحمر الصغير.

بعد أيام قليلة، مات أرماندو الصغير.

لكن في يوم الجمعة 6 سبتمبر/أيلول 2025، بينما أنا في القارب المتجه إلى غزة، فإن روزا وأرماندو، والسينمائي كيكي ألباريز، وأصدقاء كوبيين آخرين أعتبرهم عائلتي الكوبية، يُنظمون في هافانا فعاليات خاصة للتضامن مع الأسطول ومع الشعب الفلسطيني.  

أعدَّت روزا بالأمس مجموعةَ قواربٍ صغيرةٍ من الورق، وأخرى مصنوعة من الحلوى، ليلعب بها الأطفال الذين سيحضرون هذه الفعالية في أحد ميادين هافانا القديمة، ويأكلونها. لكنني الآن لست في هافانا، لن أحضر الفاعلية. فقط سأحضرها بعرض فيديو أرسلته إليها من القارب الحقيقي، لا الورقي أو المصنوع من الحلوى. 

حياتنا الآن قوارب. أعيننا معلقة بالقوارب، وحياة الفلسطينيين حافلة بالقوارب. تلك القوارب الكابوسية التي أتى عليها المستوطنون الأوائل في النصف الأول من القرن الماضي. وتلك القوارب التي حملت الفلسطينين للمنفى في 1948 ولمنفذ جديد خروجًا من بيروت في 1982. خرجوا بالقوارب في المرة الأولى إلى لبنان. خرجوا سيرًا أيضًا إلى الشمال في نفس هذا التاريخ، وإلى الأردن عن طريق الجسر الخشبي العتيق.

أحد القوارب المشاركة في أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة، سبتمبر 2025

مع يوسف

أنا اليوم في القارب مع يوسف. يوسف عمره 37 عامًا. مهندس معماري. يعمل جنسية نيوزيلندا. وهو أفضل رفاقي على القارب. خليل وسميرة والداه خرجا من فلسطين بعد النكبة مع من اضطروا للنزوح أمام مذابح العصابات الصهيونية. ووالد يوسف الذي حمله أهله سيرًا على الأقدام إلى الشمال، باتجاه مخيم في لبنان، ولد يوم النكبة ذاته، 15 مايو 1948. لم يذهب يوسف الفلسطيني أبدًَا إلى فلسطين. هذه هي المرة الأولى. خرج أهله سيرًا على الأقدام، وها هو يحاول العودة الرمزية بقارب في البحر. 

حياة الفلسطينيين محملة برموز القوارب والمسير. وكذلك حياتنا نحن، وحياة المعلقة عيونهم بنا. في الأيام الأخيرة حين كنت أتعرف على أشخاص جدد ممن سيشاركونني في الأسطول، أو المتطوعين للدعم والمساعدة من على البر، كان الكثيرون منهم يقول لي حين يعلم أنني مصري: لقد كنت في القاهرة.

كثيرون مِن مَن يحاولون الوصول إلى غزة في هذا الأسطول، حاولوا الوصول إلى معبر رفح للتضامن وإدخال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني ضمن الرحلة التي بدأت من تونس قبل شهور، ولم يتمكنوا. منعتهم سلطاتنا. وعليكم أن تعلموا أن من يشاركني هذه المغامرة أكاديميون وفنانون ومثقفون وإعلاميون ونشطاء من جميع أنحاء العالم، ومناضلون عاديون. نقابيون في عقدهم الثامن ناضلوا ضد الفاشية الإسبانية، وها هم اليوم يُبحرون إلى فلسطين.

كان أحدهم كابتن أحد القوارب وطبيب قال أثناء التدريب "سأكون قائد أحد القوارب التي سترحلون بها. وأيضًا سأكون طبيبكم. عمري 77 عامًا وأريد أن يكون آخر ما أفعله في حياتي أن أذهب إلى غزة في هذه المهمة".

صورتهم حكوماتنا لنا باعتبار أنهم جاءوا ليزعزعوا استقرار بلادنا. فها نحن نحاول الآن زعزعة استقرار البحر بقوارب هشة، إن قورنت بالبحر المحيط بها. مثل قوارب الحلوى والورق التي تصنعها روزا، لكن بإمكانها الوصول إلى فلسطين. وعليكم الاطمئنان فهذه المرة لن نتسبب في أي قلق أو صداع لأي حكومة، رغم أن دم الشعب الفلسطيني في غزة يستحق أن يزعزع الاستقرار ويسبب القلق والصداع لكل العالم. 

هذه القصة من ملف  إلى فلسطين| نبحر وتبحر قلوبكم معنا


كنا نريدك معنا سيد شابلن

باسل رمسيس_  على رصيف في ميناء برشلونة، يوم الأحد 31 أغسطس، حيث يحتشد الآلاف لوداعنا، نحن الصاعدين إلى أسطول الصمود العالمي باتجاه غزة، ربما يفكر البعض مثلما أفكر؛ كنا نريدك معنا يا سيد شابلن.

إلى فلسطين| رسائل البحر

باسل رمسيس_  فجأة، لم أصبح بحارًا بل مساعدٌ، أراقب البحر لأتأكد من عدم وجود شيء أمامنا أو قوارب أخرى. وأشد بعض الحبال، وأراعي من أصيبوا بالدوار، وكأن الحلم القديم يتحقق رغمًا عني.


مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.